عمال سورية دون حقوق: حرمان من الضمان الاجتماعي والتأمين الصحي

01 مايو 2024
عمال بناء سوريون في حلب في 18 سبتمبر 2023 (فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- العمال في سورية، خاصة في القطاع الخاص وورش البناء والزراعة، يعملون دون عقود رسمية أو تأمين صحي، مما يعرضهم لظروف عمل قاسية وغير آمنة مثل ساعات عمل طويلة وإجازات غير موجودة.
- يواجه العمال إصابات خطيرة دون حماية قانونية أو صحية، مع نقص في نظام السلامة والضمان الصحي، مما يجعلهم يتعاملون مع المخاطر بمفردهم وغالبًا ما يقتصر الدعم على العلاج الأولي فقط.
- الوضع الاقتصادي والأمني الصعب يجبر العمال على التركيز على البقاء على قيد الحياة بدلاً من حقوقهم العمالية، مع غياب دعم فعال من النقابات والمنظمات، وتطبيق ضعيف للقوانين العمالية في ظل سياسات تميل لصالح الفساد.

يواجه عمال سورية في مناطق سيطرة النظام  تحديات كبيرة، وخاصة عمال المياومة في القطاع الخاص أو ضمن ورش البناء والزراعة والنقل، الذين يعملون في الغالب دون تأمين صحي أو اجتماعي، فضلاً عن الظروف الأمنية وأخطار المهن.

يقول محام من دمشق، طلب عدم ذكر اسمه، إن "معظم التحديات التي يواجهها العمال المياومون في سورية اليوم، هي العمل بدون عقود رسمية أو تأمين صحي أو حقوق عمالية أخرى مضمونة، وهو ما يعرضهم للعمل في ظروف قاسية وغير آمنة، بما في ذلك ساعات العمل الطويلة دون إجازات والرواتب المنخفضة التي لا تتناسب مع الجهد البدني الذي يبذلونه".

وبحسب المحامي فإنه "عندما تحدث مشكلة أمنية في العمل تتسبب بمشكلة صحية للعامل فإنه لا يستطيع الدفاع عن نفسه والمطالبة بحقوقه لدى القضاء، بسبب عدم وجود عقد عمل بينه وبين الطرف المشغّل، وبالتالي يضع هؤلاء العمال القضاء أمام تحديات في تنفيذ القوانين العمالية، بسبب غياب التنفيذ الفعال، والرقابة على سوق العمل من الحكومة، ممثلة بوزارة العمل والشؤون الاجتماعية". 

غياب الحماية 

وفي حديث مع "العربي الجديد" يتحدث العامل خضر محمد عن " تعرّضه لإصابة برأسه نتيجة سقوط قسم من حجر بناء من الطابق الخامس، ما أدى أيضاً للتأثير على عينيه فلم يعد يرى كالسابق، وبات غير قادر على العمل أحياناً بسبب الإصابة". 

اقتصاد الناس
التحديثات الحية

وأضاف العامل بورشة نجارة بمشروع تابع لمتعهد يأخذ عمله من مؤسسة الإسكان العسكري في حمص، أنه "لم يكن يرتدي خوذة أثناء العمل، لأنه لا يوجد نظام للسلامة في المكان، أو نظام مراقبة يلزم العمال بذلك، وهو يعمل في الورشة بدون عقد وبدون ضمان صحي، وبالتالي لم يساعده صاحب الورشة إلا في مسألة العلاج الأولي فقط".

وقال الناشط الحقوقي المعارض لطيف المعروفي لـ"العربي الجديد" إنه "لا توجد منظمات حكومية أو غير حكومية تعمل في مناطق سيطرة النظام السوري بالسويداء، بهدف تقديم النصح للعمال لتعزيز حقوق العمال"، وأضاف أنها "إن وجدت في مناطق أخرى غير السويداء فهي لن تكون مفيدة لأن الواقع الاقتصادي على الأرض فعلياً يجعل العامل غير مكترث بذلك". 

وأوضح المعروفي (وهو اسم مستعار) أن "همّ العامل أولاً الحصول على عمل وتأمين لقمة العيش لاستمراره على قيد الحياة"، مؤكداً أن "تحسين حقوق العمال في سورية شرطه الأول تحسين الواقع الاقتصادي عموماً والأمني أيضاً. فلا يهم عامل العتالة أن تتحدث معه عن حقوقه عند نقل أثاث منزل، بل ما يهمه هو أن تؤمن له عملاً أو أن تؤمن له كياناً حقوقياً يحميه كأن يكون هناك مثلاً نقابة لهؤلاء العمال تدافع عن حقوقهم".

وأوضح الناشط الحقوقي أن "معظم المنظمات المحلية التي تعمل تحت جناح النظام السوري توجّه جل اهتمامها ودعمها اليوم لصالح عناصر قوات النظام السوري الذين تعرضوا للإصابة خلال الحرب، ولا تقدم الدعم للعمال من الشعب الذي تسحقه ظروف الحياة الاقتصادية والأمنية كل يوم".

وأضاف أن "حقوق العمال عموماً في سورية لا تكفلها الدولة التي يحكمها النظام، فهي لا تضمن حق التصويت لاختيار العمال ممثليهم في النقابات، بل تسيطر على النقابات عموماً، من خلال أذرع مرتبطة بمخابراتها، ولا تضمن حق الإضراب، ولا تضمن حق التظاهر السلمي، ولا تضمن موازنة الأجور مع الجهود، والسياسات عموماً لدى الحكومة منحازة للفساد وتجار السلطة المرتبطين بفروع الأمن".

وأكد أن "البلاد عموماً تعاني من تسلط المليشيات على أصحاب المعامل والمنتجين الزراعيين، وبالتالي تعطيل عجلة الإنتاج المحلي وحرمان آلاف العمال من عملهم، وهذا يهدد بالقضاء على أبسط حقوق المواطن السوري وهو حق العمل، ويجعله لاهثاً وراء تسول المساعدة". 

أجور زهيدة

يقول العامل عفيف المصري لـ"العربي الجديد" إنني "أعمل في الفرن الحراري لدهان السيارات أكثر من 18 ساعة يومياً، لكسب لقمة عيشي وعيش أسرتي، ورغم أن الأجر غير كافٍ بالنسبة لعدد ساعات العمل، فإنه العمل الوحيد الذي أتقنه". وتتطلب مهنة المصري العمل ضمن ظروف حرارة عالية ورائحة الدهان المضرة بالجهاز التنفسي.

وقصة محمد والمصري، تمثل إسقاطاً عملياً لآلاف العمال في سورية التي أنهكتها الحرب والظروف الاقتصادية السيئة، فهم مجبرون على العمل في هذه الظروف رغم الإصابة وقلة الأجور، أما جميل الحلبي فيجلس كل يوم على دوار ساحة الكرامة في السويداء ينتظر شخصاً يريد عاملاً، لنقل الأثاث الثقيل أو العمل في ورش البناء، أو (النكش) في الأرض. 

يقول الحلبي لـ"العربي الجديد": "لقد فرض علي هذا الانتظار وهذا العمل، لأن الوظيفة الحكومية غير مجدية وراتبها غير مجز، لا أنكر أن الأجر في عملي هذا قليل بعض الشيء وغير ثابت ولكن قد يعادل في بعض الأيام نصف راتب موظف". ويضيف: "ماذا يعني يوم العمال وعيد العمال وحقوقنا مسلوبة، وآمل بحصول العمال على حقوقهم كاملة، حينها سيكون كل يوم يوم للعمال، بعيداً عن الشعارات والكلام". 

قوانين مع وقف التنفيذ 

وفي هذا الصدد تقول الناشطة الحقوقية، سلام عباس، إن "القانون السوري وقانون العاملين بسورية فيه مثاليات كثيرة، لو جرى تطبيقها لنال العمال حقوقهم، لكنها لا تعدو كونها نصوصاً لا تطبق على مستوى العاملين بالدولة فكيف سيجري تطبيقها وفرضها على القطاع الخاص الذي هو أساساً أفضل بالنسبة للعمل في القطاع العام".

وتضيف عباس في حديثها لـ"العربي الجديد" أن "القوانين التي تنظم العلاقة بين أطراف العملية الإنتاجية ضرورية لبناء علاقة عادلة بين طرفي العمالة وضمان حقوق الطرفين". 

وتشير الناشطة إلى أن "تجاهل تعديل القوانين السارية أو وضع أخرى جديدة تكفل حقوق العمال يؤدي إلى استمرار نزيف اليد العاملة من قطاع العمل السوري، وبالتالي سينعكس ذلك على سوق العمالة ويزيد الأزمة الاقتصادية حدة". وطالبت بالسعي لـ"إنتاج ثقافة تضغط لإنتاج قوانين منصفة بهذا الجانب، مع إنشاء منظومة للضمان الاجتماعي تكفل آلية تأمين حقيقية لهذه الفئة المهمة، خاصة العاملين منهم خارج القطاع العام لضمان شيخوخة كريمة لهم، أو لضمان حقوق المتقاعدين الذين أصيبوا بالعجز أو أسر المتوفين منهم".

المساهمون