استمع إلى الملخص
- الأزمات المعيشية والبطالة: تضاعفت نسب الفقر والبطالة، حيث اقتربت البطالة من 100%، مع فقدان أكثر من 200 ألف وظيفة، مما جعل السكان يعتمدون على المساعدات الإنسانية.
- تدمير البنية التحتية والقطاع الزراعي: العدوان دمر البنية التحتية الحيوية والقطاع الزراعي، مما أدى إلى تراجع مؤشرات التنمية البشرية لمستويات الخمسينيات.
سبّب العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة شل الحركة الاقتصادية بالكامل، جراء التأثيرات الكارثية على مختلف القطاعات الاقتصادية من الصناعة إلى الزراعة والصيد، وحتى التجارة والبنية التحتية، الأمر الذي سبّب انكماشاً في الاقتصاد بنسبة تفوق 86%.
وألقت الأزمات الاقتصادية الصعبة خلال عام 2024 بظلالها على مختلف نواحي الحياة المعيشية للفلسطينيين، سواء فيما يتعلق بأحوالهم المادية وتضاعف نسب الفقر والبطالة التي شارفت على الوصول إلى نسبة 100%، أو أحوال الإنتاج المحلي الذي تضرر بنسبة تفوق 93%، ما أدى إلى تعقيد التفاصيل اليومية للفلسطينيين.
وترجع التحديات الجسيمة التي تواجه الاقتصاد الفلسطيني منذ اليوم الأول للعدوان إلى جملة من الأسباب، بداية بالاستهداف المباشر للمصانع والمخازن والأسواق والمحال التجارية والشركات، ومروراً بتجريف الأراضي الزراعية وإفساد مواسمها السنوية والمؤقتة، وملاحقة الصيادين ومنعهم من مواصلة عملهم عبر إطلاق النار والاعتقال، وصولاً إلى الإغلاق المتواصل للمعابر ومنع دخول الكهرباء والماء والوقود والبضائع التجارية والسيولة النقدية والمساعدات الإنسانية والأدوية والمستهلكات الطبية.
وتمس تأثيرات المقتلة الإسرائيلية والتي راح ضحيتها ما يزيد عن 162 ألف فلسطيني بين شهيد ومفقود وجريح جميع القطاعات الاقتصادية بشكل مباشر وغير مباشر، حيث تم تدمير المنشآت الصناعية من خلال استهداف المصانع والمناطق الصناعية وبنيتها التحتية وخطوط الإنتاج، ما سبّب توقف النشاط الإنتاجي، فيما تم تشديد الحصار ما أدى إلى تقييد دخول المواد الخام اللازمة للصناعة، مما عوق عملية الإنتاج، الأمر الذي أفقد آلاف العاملين وظائفهم.
وفي ما يتعلق بقطاع التجارة فقد سبّب الحصار وإغلاق المعابر توقف الأنشطة التجارية عبر منع حركة البضائع بين غزة والعالم الخارجي، مما ألقى بظلاله على التجار والمستهلكين، من خلال تقليل دخل السكان وانخفاض قدرتهم الشرائية، وتأثيرات ذلك على حركة السوق المحلية، علاوة على استهداف المراكز التجارية، حيث تعرضت الأسواق والمحلات التجارية للقصف أو أغلقت نتيجة الخوف من تواصل التصعيد العسكري.
وأدى العدوان كذلك إلى تخريب قطاع الزراعة عبر تدمير الأراضي الزراعية وإلحاق خسائر فادحة فيها جراء الاستهداف المباشر للمزارع والبنية التحتية الزراعية مثل الآبار وشبكات الري، إلى جانب محدودية الوصول إلى الأراضي الزراعية القريبة من السياج الحدودي، كذلك نفوق الثروة الحيوانية بفعل القصف والاعتداءات، علاوة على إعدام القدرة على تصدير المنتجات الزراعية.
قطاع الصيد لم يسلم من تأثيرات العدوان جراء منع الصيد واستهداف القوارب والمعدات، ما سبّب تراجع الإنتاج السمكي، كما سبّب استهداف البنية التحتية تدمير شبكات المياه والكهرباء والصرف الصحي والطرقات، إلى جانب التأثير على الاستثمار من خلال انعدام البيئة الاستثمارية جراء عدم الاستقرار الأمني والاقتصادي، الذي سبّب هروب رأس المال المحلي.
الفلسطيني خالد الشرافي من مدينة غزة الذي كان يمتلك مصنعاً لحياكة الملابس قبل أن يتم تدميره بالكامل جراء الغارات الإسرائيلية التي حولته بما فيه من بضائع وأقمشة إلى كومة من الركام بعد أن كان يعمل فيه قرابة 20 عاملاً يعيلون أسرهم.
ويقول الشرافي لـ"العربي الجديد" إن مصنعه توقف عن العمل في الأيام الأولى للعدوان بفعل الأوضاع غير المستقرة والخطر الشديد، ما سبّب تعطل مصدر دخله ودخل العاملين معه، إلى أن صدرت أوامر الاحتلال بإخلاء مدينة غزة، وبعد شهر من النزوح نحو المحافظات الوسطى وصلته أنباء عن تسوية مصنعه في الأرض.
ويلفت الشرافي إلى أن المصنع كان ينتج ملابس الأطفال والملابس النسائية للسوق المحلية، وتصدير بعض الأصناف إلى الخارج، إلا أن تدمير "مشروع العمر" أعدم إمكانية عودته إلى العمل في المستقبل القريب أو البعيد، نظراً إلى الأوضاع الاقتصادية الصعبة واستنفاد طول أمد الحرب لأي سيولة نقدية متبقية.
ويوضح الخبير الاقتصادي محمد صافي، أن العدوان الإسرائيلي منذ اليوم الأول سبّب تخريب مختلف القطاعات الاقتصادية، وتضاعف نسب البطالة والفقر جراء تدمير القطاعات الاقتصادية وترك شريحة كبيرة من السكان بلا عمل، خاصة بين الشباب، كما أدى إلى انتشار الفقر بسبب انخفاض الدخل وتراجع النشاط الاقتصادي.
ويلفت صافي لـ"العربي الجديد" إلى تسبب العدوان بأضرار مادية جسيمة في البنية التحتية الحيوية قدرها البنك الدولي بحوالي 18.5 مليار دولار أميركي، إلى جانب الانكماش الاقتصادي منذ بداية الحرب وزيادة حدتها خلال عام 2024، مما أدى إلى تدهور كبير في مستوى المعيشة.
ويوضح أن العدوان ألقى بظلاله على قطاع العمل والبطالة، وسبّب فقدان أكثر من 200 ألف فلسطيني لوظائفهم وارتفاع معدلات البطالة إلى حوالي 80% إلى جانب وصول معظم أهالي قطاع غزة إلى حافة المجاعة بفعل معاناة جميع السكان من انعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية الحاد، واعتمادهم بشكل أساسي على المساعدات الإنسانية لتلبية احتياجاتهم الأساسية، الأمر الذي يضعف الإنتاج المحلي ويعزز الاقتصاد غير المستدام.
ويبين صافي أن العدوان سبّب تراكم ما يزيد عن 40 مليون طن من الأنقاض، وتعطيل قطاع التعليم بنسبة 100%، إلى جانب تدمير المنشآت الصحية، وتضرر أو تدمير 84% من المستشفيات والمنشآت الصحية، علاوة على تخريب قطاع الزراعة عبر تدمير مساحات واسعة من الأراضي الزراعية، وتعرض نظام المياه والصرف الصحي للانهيار، حيث لا يوفر سوى أقل من 5% من خدماته السابقة وفرض قيود مشددة على الصيد في بحر غزة، مما أدى إلى تراجع كبير في إنتاجية قطاع الصيد.
أما الباحث والصحافي الاقتصادي أحمد أبو قمر فيوضح لـ"العربي الجديد" أن الوضع الاقتصادي في القطاع خلال عام 2024 غير مسبوق منذ قدوم السلطة الفلسطينية، وقد تجاوزت الأوضاع الكارثية التي سبّبتها عوامل الانتفاضة عام 2002، مشيراً إلى أن البنك الدولي ذكر أن نسبة الانكماش في الاقتصاد الفلسطيني وصل إلى 86% ما يعني تراجع الاقتصاد بشكل كارثي، إذ لم يتجاوز الانكماش قبل العدوان ما يراواح بين 15% و17%.
ويقول إن نسبة البطالة قبل العدوان على غزة بين العموم كانت 45%، فيما تخطت خلال الحرب حاجز 88% ما يعني أن 88 شخصاً متعطل عن العمل وبدون دخل من بين كل 100 شخص، فيما تعمل النسبة القليلة المتبقية مع المؤسسات الدولية في التوصيل والخدمات اللوجستية التي أفرزتها الحرب، وبعض الموظفين الدائمين، كما ارتفعت نسبة الفقر من 80% قبل الحرب إلى 99% وقد كان يعتاش على المساعدات الإنسانية نحو 60% قبل الحرب، فيما وصلت النسبة خلال العدوان إلى نسبة 100%.
أما في ما يتعلق بالقطاع الزراعي، فيبين أبو قمر أن الاحتلال الإسرائيلي حرص منذ الأيام الأولى للعدوان على تدمير السلة الغذائية، من خلال استهداف المناطق الزراعية سواء في المناطق الشمالية أو في المحررات وسط وجنوب القطاع وبعض المناطق الشرقية، مبيناً أن غزة كانت تتمتع قبل الحرب باكتفاء ذاتي في العديد من المنتجات الزراعية كالخضروات والفواكه.
ويلفت إلى أن الاحتلال عمل على تدمير الحالة الزراعية بشكل ممنهج تطبيقاً لسياسة التجويع، من خلال تدمير السلة الغذائية التي كانت تخفف من أعباء استيراد العديد من السلع أو من كمياتها، في الوقت الذي يمنع الاحتلال دخول البضائع والمواد الغذائية عبر إغلاق المعابر.
ويشير أبو قمر إلى أن القطاع الزراعي لا ينتج حالياً أي شيء ما يعني فقدان الاقتصاد الفلسطيني مساهمة القطاع الزراعي والتي كانت تراوح من 15 – 20%، في مجمل الاقتصاد في قطاع غزة، فيما فشلت محاولات بعض المزارعين زراعة محاصيل جديدة بسبب منع الاحتلال دخول الأسمدة وضروريات الإنتاج، علاوة على تجريف بعض الأراضي التي تم زراعتها خلال الحرب.
وأدت الحرب إلى تراجع مؤشرات التنمية البشرية في غزة إلى مستويات تعود إلى خمسينيات القرن الماضي، مما يعكس حجم الكارثة الإنسانية والاقتصادية، فيما تظهر هذه الأرقام حجم الكارثة الاقتصادية والإنسانية التي يعانيها القطاع، والتي سيعانيها لسنوات طويلة بفعل إعاقة الدمار الواسع للجهود التنموية أو إعادة الإعمار على المدى البعيد.