تتصاعد صرخات المودعين في لبنان، حيث تحتجز المصارف أموال آلاف الأسر في ظل حاجتها للسيولة بشدة خلال العدوان الإسرائيلي الدائر حالياً، وسط نزوح أكثر من 1.2 مليون شخص من مناطقهم. فيما ترشح معلومات عن اتجاه لتمويل الدولة المأزومة من أموال المودعين، ما يزيد من التوتر والخوف لدى الأسر من السيطرة على أموالهم من دون أي أمل باستعادتها.
وقال الخبير المالي والضريبي كريم ضاهر، في حديث خاص مع "العربي الجديد"، إن تمكّن المودعين من الحصول على أموالهم المستحقة دون قيود زمنية كان سيسهم في تخفيف معاناتهم اليومية، وأضاف أن القدرة على السحب الفوري كانت ستحد من الأزمة المعيشية، خاصة في ظل الحرب الراهنة.
وأكد ضاهر أن هناك العديد من الأزمات التي استجدت جراء الأحداث الأخيرة، مشيراً إلى أن جميع اللبنانيين يعانون، وإن تفاوتت حدة المعاناة بين القطاعات والمناطق. وأوضح أن بعض المودعين النازحين يعيش في ظروف غير لائقة، بينما يعاني آخرون بشكل أقل حدة لكنهم تأثروا أيضاً بنتائج العدوان.
وأوضح ضاهر أن القطاع الخاص اليوم يواجه خيارين صعبين: إما صرف العمال أو تخفيض الأجور بنسبة تصل إلى 50%، مما يؤثر سلباً على الجميع. وأضاف أنه لو كان الوضع المصرفي مستقراً منذ عام 2019، لتمكن القطاع المصرفي من مساعدة المواطنين على السفر أو تحويل الأموال لشراء منزل أو تأسيس عمل.
أزمات تتزايد على المودعين
وأضاف أن توفير الودائع للمواطنين كان سيمكّنهم من تأمين احتياجاتهم دون الحاجة إلى المساعدات الخارجية، وأن انتهاء الحرب وتمكن المودعين من استعادة أموالهم كان سيساعد في إعادة الإعمار وإصلاح ما تهدم. ولو كانت المصارف تعمل كما في السابق، لتمكن المواطنون من الحصول على قروض ميسّرة للقيام بعمليات إعادة الإعمار.
وتابع أن الأموال المحتجزة في المصارف كانت ستوفر استمرارية للعديد من المؤسسات والشركات لمدة شهرين أو حتى ستة أشهر، مقارنة بالوضع الحالي الذي يهدد ديمومة الاقتصاد. وأضاف أن المواطنين فقدوا أموالهم بالكامل، حتى وإن تمكنوا من جمع مبالغ جديدة، فإنها غالباً غير كافية لمواجهة الجمود الاقتصادي.
كما شدد ضاهر على ضرورة التفرقة بين الاحتياطي الإلزامي الذي وعد الحاكم بالإنابة، وسيم منصوري، بعدم المساس به، والوفر الذي تحقق من خلال سياسات ضبط الكتلة النقدية وحصر بيع وشراء الدولار عبر مصرف لبنان. وأوضح أن هذا الوفر يُستخدم لمساعدة المودعين عبر زيادة السحوبات، لكنه لا يُستغل لتمويل الدولة اللبنانية.
وأشار إلى أن الدولة تستفيد من الحساب 36، الذي أُنشئ بموجب قانون الموازنة رقم 10/2022، لجمع الضرائب بالعملات الأجنبية، مبيناً أن هذه الإيرادات، إلى جانب المدخول بالعملات الأجنبية والليرة اللبنانية، ساعدت الدولة على توفير بعض المبالغ الضرورية.
وقد عقدت جمعية "صرخة المودعين" اجتماعًا مع حاكم مصرف لبنان بالإنابة، الدكتور وسيم منصوري، وقد تمت خلال الاجتماع مناقشة الأوضاع المأسوية التي يعاني منها المودعون في ظل الظروف الحالية، بما في ذلك الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان.
رفض سلفات الخزينة
ونقل رئيس جمعية صرخة المودعين، علاء خورشيد في حديث خاص مع"العربي الجديد"، عن حاكم مصرف لبنان قوله إنه لن يمول الحكومة من أموال المودعين.
وأضاف أنه يمكن للحكومة زيادة الإيرادات من خلال تحسين تحصيل الضرائب ومكافحة التهرب الضريبي، حيث إن العديد من الشركات الكبيرة والأفراد الأثرياء يتمتعون بامتيازات ضريبية غير عادلة أو يتهربون من دفع الضرائب بشكل كامل، مشيرا إلى أن تحسين هذا الجانب سيعزز من ميزانية الدولة دون اللجوء لأموال المودعين.
وأشار إلى أن الخصخصة الجزئية لبعض الأصول العامة التي تعاني من الهدر، يمكن أن تساهم في توفير موارد مالية إضافية دون الاعتماد على احتياطيات البنك المركزي. وفي سياق متصل، أفاد خورشيد بأن مكافحة الفساد والهدر، وإصلاح مؤسسات الدولة سيكون لها تأثير مباشر على تخفيف العبء المالي للحكومة، ويمكن توجيه الموارد التي تهدر في الفساد والهدر نحو تمويل الخدمات الأساسية والدين، وبالنسبة لمصرف لبنان يمكنه القيام بواجبه تجاه الحكومة حسب الموازنة دون المساس بأموال المودعين وليس عبر إعطاء سلف خزينة كما تطلب الحكومة.
وأشار خورشيد إلى أنهم طالبوا برفع سقف السحوبات، لكن المصرف المركزي ينتظر نهاية هذه الحرب وتوضيح الوضع المالي، ليتم رفع سقف السحوبات للمودعين. وأوضح أن الإجراءات التي تريد الجمعية اتخاذها من مصرف لبنان هي عدم تمويل الحكومة بأي شكل من الأشكال باستخدام أموال المودعين، خاصة رفض ما تطالب به الحكومة من "سلفات خزينة"، مؤكدا أن هذا الأمر مرفوض تماماً من جانبهم.
ولفت إلى أنه ربما سيكون هناك تحركات قريباً ضد بعض المصارف التي تمارس طرقًا غير إنسانية في التعامل مع المودعين. ومن جانب ثانٍ، أكد خورشيد رفض "شطب أي جزء من أموال المودعين، بأي حجة أو ذريعة، سواء كان شطبًا للفوائد أو لأي أسباب أخرى، رفضنا هذا الأمر رفضًا تامًا".