يترقب مزارعو الجزائر حلول فصل الشتاء وأنظارهم موجهة للسماء، وقلوبهم منقسمة بين خوف من تواصل مسلسل الجفاف، بعد مرور فصل خريفٍ جافٍ، وبين تفاؤلٍ بنهاية الكابوس الذي أرق فلاحي الجزائر منذ أكثر من سنة، وسط تذمرهم من شح إعانات الحكومة.
ولم يشهد شهرا نوفمبر/ تشرين الثاني وأكتوبر/ تشرين الأول تساقطاً كبيراً للأمطار، التي تراجعت منذ بداية الموسم الزراعي بنسبة فاقت 60 في المائة عن العام ما قبل الماضي 2018، ونحو 80 في المائة، مقارنة بالأعوام السابقة.
وإلى ذلك يكشف الخبير التقني في الشؤون الجوية، عبد الحكيم بساطي، أن "منسوب تساقط الأمطار في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الحالي لم يتعد 22 مليمتراً، في حين أن المعدل في السنوات ما قبل الماضية هو 100 مليمتر، أما عن أكتوبر/ تشرين الأول المنصرم فقد سجل تساقط الأمطار تراجعاً إلى 25 ملم مقابل معدل في الماضي بلغ 71 ملم، في حين أن التوقعات تؤكد ارتفاع النسبة إلى 40 مم، وبالنسبة لشهر ديسمبر/ كانون الأول يقدّر بحوالي 50 مم مقابل 111 ملم كمعدل في السنوات الأخيرة".
وأكد بساطي لـ "العربي الجديد" أن "النسبة السنوية لن تتعدى 300 مليمتر مقابل معدل سنوي بلغ 680 مليمتراً سنة 2017، و630 ملم سنة 2018، و250 ملم سنة 2019، ما يعني أن الجزائر تمر بسنة جافة ثانية بعد احتساب سنة 2019."
وكانت وزارة الشؤون الدينية قد دعت الجزائريين لأداء صلاة الاستسقاء يوم السبت 14 نوفمبر/ تشرين الثاني، وذلك بعد التراجع الكبير لتساقط الأمطار في هذه الفترة التي تتميز في العادة بانخفاض حاد لدراجات الحرارة، وتساقط أولي للثلوج على المناطق التي لا يتعدى ارتفاعها 1000 متر.
من جانبها كشفت وزارة الموارد المائية عن انخفاض منسوب امتلاء السدود من 63 بالمائة شهر فبراير/ شباط المنصرم، إلى 50 بالمائة الشهر الحالي، جراء ارتفاع الاستهلاك وقلة تساقط الأمطار والثلوج خاصة في المناطق الشمالية.
وكانت الحكومة قد أطلقت عملية دعم عمليات الري بالنسبة لجميع الفلاحين المنتجين للزيتون والتفاح والخضروات في البيوت البلاستيكية، بالإضافة إلى محاصيل الحبوب كالقمح والشعير، كما أعلنت عن دعم الأعلاف، وذلك لمساعدتهم في مواجهة مخلفات موجة الجفاف التي مست البلاد طيلة 2020.
وتخص العملية الري والسقي بتقنية التقطير، كما تخص شراء مضخات الآبار، وتقدر كلفة الدعم بحوالي 120 ألف دينار (950 دولاراً)، فيما بلغ دعم إقامة الأحواض المائية بغشاء بلاستيك بما يصل إلى 400 ألف دينار (3100 دولار).
ويجد المزارعون صعوبة في إخفاء قلقهم من انحباس الأمطار، الذي تبني عليه الجزائر آمالاً كثيرة من أجل تجاوز شبح موسم أبيض، وانتظار محصول وفير يعفي البلاد من الاستيراد الذي تفاقمت فاتورته، في ظل قلة المساعدات المالية وبطء إجراءاتها الإدارية.
وحسب الخبير الزراعي، محمد تاج الدين لواجي، فإن "شحّ الأمطار في الأشهر الأخيرة، يشكّل عاملاً سلبياً بالنسبة لقطاع الزراعة بصفة عامة، خاصة أنّ أغلب المزارعين في الهضاب العليا (وسط البلاد) والمناطق الشمالية يعتمدون كثيراً على مياه الأمطار لتوفير سائر المنتجات الزراعية والمحاصيل المختلفة، وسيؤدي ذلك إلى فقدان كميات كبيرة أخرى من المحاصيل والتأثير على جودتها، فالجفاف سيفرز انعكاسات أيضاً على الثروة الحيوانية، كما هو الشأن بالنسبة إلى الثروة النباتية، وسيتسبّب في غلاء الأعلاف وندرتها، وحتى تفشي الأمراض وخسارة القطعان."
ويلفت لواجي في حديث مع "العربي الجديد" إلى "ضرورة إعداد دراسة استباقية لمخاطر ظاهرة الجفاف من خلال تقييم الحاجيات للمساحات المسقية أو الموجهة للثروة الحيوانية، فضلاً عن إحصاء شامل للهياكل والسدود ومقدراتها لحسن مجابهة الموقف".