خسائر أوروبا من الحرب الروسية بأوكرانيا تتجاوز تريليوني دولار

09 مايو 2022
أوكرانيات يطالبن أوروبا بالصمود في وجه الغزو الروسي (Getty)
+ الخط -

ما إن بدأت الدول الأوروبية رحلة الخروج من جائحة فيروس كورونا التي ضربت اقتصاداتها بقوة منذ بداية 2020 إلى منتصف العام الماضي، حتى فوجئت بكارثة الغزو الروسي لأوكرانيا، الذي يُعد أكبر اختبار تواجهه القارة منذ الحرب العالمية الثانية.

يرى خبراء أنّ هذه الحرب التي خططت لها روسيا منذ سنوات للتوسع الجغرافي في أوروبا واستعادة حدود الإمبراطورية الشيوعية قبل تفكك الجمهوريات السوفييتية في عقد التسعينيات من القرن الماضي، ستكون لها تداعيات وجودية على بقاء الاتحاد الأوروبي.

فهناك كلفة ضخمة للنمو الاقتصادي والأمني في أوروبا، فالحرب تضرب بمعولها إمدادات الطاقة والتجارة الخارجية وسلاسل التوريد، وتدفع معدلات التضخم إلى الصعود، بينما أضحت أوروبا بين خيارات مرّة.
ورغم تفاوت التقديرات لتكاليف الحرب الروسية في أوكرانيا، وارتداد تأثير العقوبات الغربية الواسعة ضد موسكو على اقتصادات دول الاتحاد الأوروبي الـ 27، فإنّها تبدو ثقيلة حتى في أدنى مستوياتها.

ووفق تقديرات متبانية حتى نهاية إبريل/نيسان الماضي، فإنّ النمو الاقتصادي الأوروبي سيتعرض لخسارة تراوح بين 0.5% و1% من ناتجه المحلي خلال العام الجاري، أي ما يتراوح بين 895 مليار دولار و1.79 تريلون دولار، وذلك وفقاً لتقديرات مصلحة الإحصاء الأوروبي "يورو ستات" لحجم الناتج المحلي الإجمالي للكتلة الأوروبية بنحو 17.9 تريليون دولارفي 2021، ويضاف إلى ذلك كلفة إعادة إعمار أوكرنيا المقدرة بنحو 600 مليار دولار. 

وهذه التقديرات للخسائر تبدو متفائلة، وفق محللين، إذ لم تأخذ في الحسبان تكاليف إيواء اللاجئين الأوكرانيين في الدول الأوروبية، والمساعدات التي ستدفعها أوروبا لمواطنيها من محدودي الدخل والفقراء لمقابلة فواتير أسعار الطاقة المرتفعة، بينما تسود مخاوف واسعة من حالة عدم اليقين بشأن توقيت انتهاء الحرب، وبالتالي توقف النزيف المالي والاقتصادي الأوروبي.
وفي تقرير للبنك المركزي الأوروبي صدر أخيراً، فإنّ الحرب الأوكرانية ستخفض النمو الاقتصادي بنسبة 0.7% إلى 3.7% خلال العام الجاري. كما أشار بنك الاستثمار العالمي غولدمان ساكس إلى أنّ الحرب ستخفض معدل النمو الاقتصادي لمنطقة دول اليورو الـ 19 بنسبة 1.4%.

وبينما تطاول تداعيات الحرب الجميع، إلّا أنّ كلفتها ستتفاوت حسب العلاقات التجارية والاستثمارية بين كلّ دولة من دول الاتحاد الأوروبي وروسيا.

ووفق محللين، فإنّ دول الاتحاد الأوروبي التي كانت جزءاً من الكتلة السوفييتية السابقة ستكون الأكثر خسارة من الحرب، ما يزيد من مأزق دفع الأثمان، إذ تتزايد الدعوات إلى تقاسم تكاليف الحرب وتداعياتها.
في هذا الصدد، قال الخبير الاقتصادي في مركز جاك يلور للدراسات في برلين، نيلس ريديكير: "هناك تفكير متزايد حول تقاسم دول الكتلة الأوروبية تكاليف الحرب"، مضيفاً في ورقة بحثية: "يجب أن تحافظ أوروبا على تماسكها وتظل جبهة موحدة ضد روسيا، رغم أنّ هناك بعض الدول ستواجه تكاليف أكبر من قدرتها المالية مقارنة بحجمها المالي والاقتصادي".

وبينما تطاول تداعيات الحرب الجميع، إلّا أنّ كلفتها ستتفاوت حسب العلاقات التجارية والاستثمارية بين كلّ دولة من دول الاتحاد الأوروبي وروسيا.

ورفعت الحرب الروسية على أوكرانيا من تكاليف الأمن والدفاع في دول الاتحاد الأوروبي، وهو ما يعني زيادة التمويل عبر الاستدانة، فألمانيا تنوي تحديث جيوشها بنحو تريليون دولار، وهناك تكاليف استثمار في دول الاتحاد الأوروبي، خصوصاً الكبيرة، بزيادات كبيرة في ميزانية الدفاع، بسبب مستقبل الخطر الأمني والعسكري الروسي، حتى في حال انتهاء الحرب وموافقة موسكو على الانسحاب من أوكرانيا.

على صعيد الطاقة، رفعت الحرب وتداعيات اضطرابات الإمدادات الروسية أسعار الغاز الطبيعي والمشتقات البترولية إلى مستويات غير مسبوقة، وساهمت بشكل مباشر في ارتفاع معدل التضخم لأول مرة بنسبة أعلى من المعدل الأميركي.

وتشير بيانات "يوروستات" إلى أن التضخم بلغ 7.4% في منطقة اليورو، إذ قفزت أسعار الطاقة في المتوسط بنسبة 45% منذ بداية العام وحتى مارس/آذار، بينما من المتوقع أن يسفر أي حظر أوروبي على النفط الروسي عن رفع تكاليف المحروقات إلى مستويات أعلى خلال الأشهر المقبلة، خصوصاً أنّ روسيا في المقابل وسّعت من استخدام ورقة الغاز في الضغط على الأوروبيين.

وقبل الحرب في أوكرانيا، استورد الاتحاد 2.2 مليون برميل يومياً من النفط الخام، و1.2 مليون برميل يومياً من المنتجات النفطية المكررة، بحسب بيانات الوكالة الدولية للطاقة.

وقد يصبح ملء خزان السيارة أكثر كلفة، إذ لا تستورد أوروبا النفط الخام من روسيا فحسب، بل تستورد أيضاً منتجات مكررة، مثل الديزل لتزويد سيارات الركاب وتلك المستخدمة في القطاع الصناعي بالوقود.

ومن شأن استيراد الديزل من مناطق أبعد من روسيا زيادة تكاليف الشحن، وبالتالي رفع الأسعار في محطات الوقود.

وفي ألمانيا على سبيل المثال، جاء 74% من واردات الديزل قبل الحرب من روسيا، وفقاً لبيانات من شركة إف.جي.إي إنرجي للاستشارات.

كما تُظهر البيانات الواردة من وكالة الاتحاد الأوروبي لتعاون منظمي شؤون الطاقة، أن العديد من الدول الأوروبية تعتمد بشكل حصري على الغاز الروسي، ويبرز في هذا الجانب: مقدونيا الشمالية، والبوسنة والهرسك، ومولدوفيا.

تسود مخاوف واسعة من حالة عدم اليقين بشأن توقيت انتهاء الحرب، وبالتالي توقف النزيف المالي والاقتصادي الأوروبي

كما أنّ الاعتماد على إمدادات الغاز الروسي، بلغ نسبة تجاوزت الـ 90% بالنسبة لفنلندا ولاتفيا، بينما وصل إلى 89% بالنسبة إلى صربيا. أما بلجيكا فبلغت نسبة تبعيتها للغاز الروسي 77%، وألمانيا 49%، وإيطاليا 46%، وبولندا 40%، أما فرنسا فوصلت النسبة إلى 24%.
ويجري تسليم معظم الغاز الذي تشتريه أوروبا من روسيا لتزويد مرافقها الكهربائية بالطاقة عبر خطوط الأنابيب، براً أو تحت البحر، بينما الانتقال إلى موردين آخرين سيدفعها إلى التحول إلى الغاز المسال الذي يتكلف أكثر في عمليات نقله أو تحويله من صورته السائلة إلى الغازية.

كما أنّ الكثير من الدول لا تحظى بمرافق لإتمام عمليات التحويل التي لا تتمتع بها سوى دول قليلة مثل إسبانيا وإيطاليا وليتوانيا وفرنسا، وهي التي تقود دعوات التخلي عن الغاز الروسي.

وفي منتصف إبريل/نيسان الماضي، حذرت خمسة معاهد اقتصادية تقدم المشورة للحكومة الألمانية، في تقرير مشترك، من أنّ ألمانيا صاحبة أكبر اقتصاد في أوروبا ستتكبد وحدها خسائر تقدر بنحو 220 مليار يورو (240 مليار دولار) على مدى العامين المقبلين في حالة الوقف الفوري لإمدادات الطاقة الروسية.

وبحسب التقرير، فإن توقف الإمدادات الروسية سيؤدي إلى انكماش، في بلد يعتبر قاطرة الاقتصاد الأوروبي، وعندها من المرجح أن يدخل الاقتصاد الألماني في ركود حاد العام المقبل 2023.

كما أدت العقوبات الاقتصادية التي فرضتها أوروبا على روسيا لتجفيف منابع تمويل الحرب، إلى اضطراب سلاسل التوريد للمعادن والسلع الغذائية، فيما أثرت الحرب بالأساس على التجارة الخارجية لدول الاتحاد الأوروبي، خصوصاً بالنسبة للدول ذات الارتباط الوثيق مع الاقتصاد الروسي مثل دول البلطيق. وحسب البيانات الأوروبية، فإنّ صادرات دول البلطيق إلى روسيا تتراوح بين 5% و8.5% من إجمالي صادراتها.

ولا تقتصر الأثمان التي ستتحملها أوروبا على هذا الحد، وفق تقارير لمؤسسات مالية دولية، فهناك كلفة لإعادة إعمار أوكرانيا بعد الحرب. وقال مسؤولون ماليون، في ندوة على هامش اجتماعات صندوق النقد والبنك الدوليين في واشنطن في إبريل/نيسان الماضي، إنّ أوكرانيا بحاجة إلى 5 مليارات دولار شهرياً لدعم ميزانيتها خلال الأشهر الستة المقبلة. أي نحو 30 مليار دولار على المدى القصير.

أما على المدى الطويل، فتحتاج البلاد إلى نحو 600 مليار دولار لإعادة إعمار ما دمره الغزو الروسي. في هذا الصدد، قالت رئيسة البنك الأوروبي للإنشاء والإعمار، أوديل ريناد باسو، في تعليقات نقلتها صحيفة وول ستريت جورنال أخيراً: "هناك حديث حول خطة إعادة إعمار لأوكرانيا شبيهة بخطة مارشال التي نفذت في أوروبا في أعقاب الحرب العالمية الثانية".

المساهمون