تونس والمغرب: الفائدة الأميركية تزيد صعوبة النفاذ إلى أسواق القروض

29 يوليو 2022
ارتفاع حاد في فاتورة الواردات الغذائية (جلال مرشدي/الأناضول)
+ الخط -

تتضاءل إمكانيات تونس في النفاذ إلى أسواق المال لتعبئة القروض مع كل زيادة جديدة للفيدرالي الأميركي في سعر الفائدة، في وقت تحذر فيه وكالات التصنيف من إمكانية تخلّف البلاد عن سداد ديونها والدخول في مرحلة التعثر المالي.
وجاء رفع أسعار الفائدة الأميركية 75 نقطة أساس للمرة الثانية على التوالي لتصل إلى ما بين 2.25% و2.5%، ليحد من إمكانيات نفاذ السلطات المالية إلى التمويل الخارجي، بينما تتزايد الحاجيات التمويلية للموازنة التي زاد عجزها إلى 9 بالمائة.
ورغم أن تونس لا تصنف من بين الدول ذات التعامل المكثف بالدولار، إلا أن البلد ليس بعيدا عن ارتدادات السياسية التشددية التي ينتهجها البنك المركزي الأميركي لمواجهة معدلات التضخم، التي بلغت مستوياتها الأعلى منذ أكثر من 40 عاماً.
ويرى الخبير المالي أشرف العيادي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن تونس بحاجة ماسة إلى التمويلات الخارجية لتمويل الموازنة وتمويل الإصلاحات الاقتصادية التي تنوي تنفيذها للتوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي.
وتحتاج تونس إلى تعبئة موارد خارجية لا تقل عن 4 مليارات دولار من أجل تمويل الموازنة بحسب ما هو مرسم في قانون المالية، في ظرف تتصاعد قيمة الدولار إزاء العملة المحلية وباقي العملات المعتمدة في سلة الديون التونسية.
وأضاف العيادي أن المقرضين الدوليين قد يعرضون على البلدان التي تعاني من صعوبات اقتصادية وتعثّر مالي، ومن بينها تونس، قروضا بنسبة فائدة كبيرة قد تصل إلى رقمين، مشيرا إلى أن ذلك سيرفع الدين الخارجي التونسي إلى مستويات قياسية.

وحسب بيانات حول ميزانية تونس لعام 2022، فإن حجم الدين العمومي للدولة سيرتفع مع نهاية 2022 إلى 114 مليار دينار مقابل 107 مليارات دينار في 2021، ما يشكل زيادة تفوق 6 مليارات دينار. وارتفعت ديون تونس بعملة اليورو لتشكل 54.79 في المائة بعدما كانت في حدود 21.55 في المائة عام 2021، بينما يحافظ الدين بالدولار على النسبة نفسها تقريبا عند 17.53 في المائة.
ويفضي ارتفاع أسعار صرف العملات الأجنبية مقابل الدينار بنسبة 1 في المائة إلى زيادة حجم الدين العمومي بنحو 766 مليون دينار، أي نحو 0.55 في المائة من إجمالي الناتج المحلي، بحسب البيانات الرسمية.
وفي يونيو/ حزيران الماضي، وضعت وكالة التصنيف الائتماني "فيتش" تونس ضمن قائمة الدول الـ17 المهددة بالتخلّف عن سداد ديونها.
وعلى الجانب الآخر، لم يغب عن المراقبين تأثير رفع معدل الفائدة الأميركية على مديونية المغرب المسعرة بالدولار، والصعوبات التي قد يصادفها عند السعي إلى طرح سندات في السوق الدولية، كما يُراقب تأثير قرار المركزي الأوروبي على سعر صرف الدولار، بما له من تداعيات على واردات المغرب والقدرة الشرائية للأسر.
وينتظر أن ينشغل المغرب، بعد تشديد السياسة النقدية للولايات المتحدة، بالمديونية أكثر في الفترة المقبلة، خاصة أنه كان يعول في العام الحالي على الحصول على حوالي 40 مليار درهم من السوق الخارجية، ستكون مسعرة بالدولار أو اليورو في جزء كبير منها.
ويتصور الخبير في القطاع البنكي مصطفى ملغو، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن زمن الاقتراض من السوق الدولية بأسعار فائدة مخفضة ولى، مع ترقب أن يكون التضخم في العالم ذا طابع هيكلي، ما يعني ارتفاع قيمة المديونية المسعرة بالدولار بعد القرارات المتوالية للبنك المركزي الأميركي.
وبعدما كان المغرب حصل في السابق على تمويلات خارجية بأسعار فائدة مخفضة، سيكون عليه اليوم، حسب ملغو، في حال الحصول على تمويل بالعملة الأميركية، ملزما بتحمل معدلات فائدة مرتفعة، بل إن المستثمرين، الذين سيقبلون على السندات التي سيطرحها المغرب، سينتظرون منحة مخاطر كبيرة.
وكشفت وزيرة الاقتصاد والمالية نادية فتاح العلمي، مساء أول من أمس، أمام البرلمان، عند الحديث عن تنفيذ مشروع قانون المالية في العام الحالي وتوقعات العام المقبل، أن مديونية الخزانة ستستقر في حدود 70 في المائة في العام الحالي، بعدما كان متوقعا أن تصل إلى 72.4 في المائة.
غير أن مصدرا مصرفيا يحيل إلى تصريح سابق لمحافظ البنك المركزي عبد اللطيف الجواهري، الذي يرى أن نصف القروض المتوقعة في حدود 4 مليارات دولار يمكن أن يأتي من مؤسسات التعاون متعددة الأطراف والنصف الآخر من السوق الدولية.

لم يغب عن المراقبين تأثير رفع معدل الفائدة الأميركية على مديونية المغرب المسعرة بالدولار، والصعوبات التي قد يصادفها عند السعي إلى طرح سندات في السوق الدولية


ولن تنعكس قرارات المركزي الأميركي على سعر فائدة الدين الخارجي فقط، بل ستفضي، حسب ملغو، إلى زيادات في سعر صرف الدولار في علاقته بالدرهم المغربي، ما سيكون له تأثير على القدرة الشرائية للمغاربة.
لم يتجاهل الدرهم المغربي، الذي يتحدد سعره بالعودة إلى سلة عملات مكونة بنسبة 60 في المائة من اليورو و40 في المائة من الدولار، التوتر المفاجئ بين العملة الأوروبية والورقة الخضراء.
ويرتفع سعر صرف الدولار في علاقته بالدرهم بالمغرب في سياق متسم بارتفاع التضخم، الذي ينتظر أن ينتقل من 1.4 في المائة في 2021 إلى 5.3 في المائة في العام الحالي.
وتشير المندوبية السامية للتخطيط (حكومية) إلى أن فاتورة الطاقة عرفت زيادة بأكثر من الضعف، وهو ما تؤكده بيانات مكتب الصرف الذي أكد أن قيمة مشتريات الطاقة بلغت 5.46 مليارات دولار في مايو/ أيار الماضي، مقابل 2.55 مليار دولار في الفترة نفسها من العام الماضي.
وعمدت الحكومة في الفترة الأخيرة إلى استحضار الدولار في تبريرها للانخفاض الطفيف لسعر السولار والبنزين في السوق المحلية، رغم تراجع سعر النفط الخام.
وذكّر الناطق باسم الحكومة مصطفى بايتاس، بعد تراجع الأسعار بدرهم واحد في محطات الوقود، بأن الانعكاس المحدود للانخفاض راجع إلى محافظة الدولار على منحاه التصاعدي.
وينتظر أن ينعكس ارتفاع سعر العملة متأثرا بسعر الفائدة على واردات أخرى مثل القمح المسعر بالدولار، غير أن صادرات المغرب من الفوسفات ومشتقاته ستستفيد من وضعية الورقة الخضراء، خاصة مع تضاعف سعر الأسمدة في السوق الدولية.

المساهمون