فيما يترقب العالم صدور أرقام الناتج الإجمالي المحلي في الولايات المتحدة، وسط خشية حقيقية من ركود تضخمي، يبدو أن رفع أسعار الفائدة سيكون عنوان توجه مجلس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي) هذا العام، رغم إخفاقه حتى الساعة في كبح جماح التضخم المستفحل في البلاد.
وقد قرر "المركزي"، أمس الأربعاء، رفع أسعار الفائدة 75 نقطة أساس، في زيادة هي الرابعة على التوالي خلال عام 2022، لتراوح الآن بين 2.25% و2.50%، معتبرا أن وتيرة رفع أسعار الفائدة قد تستمر لما تبقى من العام توخيا لبلوغ مرحلة يبدأ فيها التضخم بالتراجع للوصول إلى المستوى المستهدف البالغ 2%.
وفي مارس/آذار 2022، رفع "المركزي" الفائدة 25 نقطة أساس، و50 نقطة في مايو/أيار، و75 نقطة في يونيو/حزيران، و75 نقطة في يوليو/تموز، وكانت الزيادات الأربع تهدف أساسا إلى كبح التضخم الذي سجل في يونيو/حزيران الماضي أعلى مستوياته منذ نوفمبر/ تشرين الثاني 1981.
لكن هذه الزيادات، بحسب وكالة "الأناضول"، لم تنجح في لجم التضخم، بانتظار بيانات تضخم يوليو/ تموز التي ستصدر خلال وقت لاحق من الشهر المقبل.
ويخشى محللو أسواق المال وبنوك الاستثمار الأميركية من أن تؤدي زيادات أسعار الفائدة "المتطرفة" إلى حدوث ركود اقتصادي في الاقتصاد الأميركي الذي سجل انكماشا في الربع الأول 2022، على أن تصدر اليوم الخميس البيانات الأولية للناتج المحلي الإجمالي للربع الثاني، وسط توقعات بأرقام سالبة.
ويعني مصطلح الركود 6 أشهر من النمو السالب مصحوبا بضعف التوظيف والاستهلاك والتوجه نحو التقشف وموجة تسريح من الوظائف. إلا أن الإنفاق ما يزال قويا، مستمدا الزخم من حزم التحفيز التي قدمتها الإدارة للأسواق المحلية منذ جائحة كورونا، بقيمة تجاوزت 6 تريليونات دولار.
كما أن نسب البطالة عند مستويات متدنية دون 3.6%، وتستحدث السوق شهريا بين 300 و400 ألف وظيفة، وهو ما يعني أن أسباب الركود لم تتحقق بعد. ومساء الأربعاء، أكد رئيس البنك المركزي جيروم باول أن اقتصاد بلاده ليس في حالة ركود حاليا، لكنه أكد أنه في حالة تباطؤ.
ورغم ارتفاع التضخم، إلا أن القوة الشرائية ما تزال حاضرة في السوق الأميركية، خاصة في قطاعات الطعام والسلع الأساسية. وقد رفعت شركة "يونيليفر" التي تملك 400 علامة تجارية، توقعات المبيعات للعام بأكمله بعد تجاوز توقعات المبيعات الأساسية للنصف الأول رغم ارتفاع الأسعار.
وقالت "ماكدونالدز" التي تدير نحو 40 ألف مطعم إن مبيعاتها قفزت 10% تقريبا، وهو أفضل بكثير من التوقعات بزيادة نسبتها 6.5%، فيما ذكرت "كوكاكولا" أن مبيعاتها العالمية ارتفعت 8% في الربع الثاني، مدفوعة بالنمو في كل من الأسواق المتقدمة والناشئة، بينما ارتفع متوسط أسعار البيع بنحو 12%.
توقع نمو اقتصادي أميركي قريب من الصفر
ومن المتوقع أن يكون نمو الناتج الإجمالي المحلي للفصل الثاني الذي سيُنشر اليوم الخميس قريبا من الصفر، ما يغذّي المخاوف من غرق الاقتصاد في ركود، بعد أن كان النمو سلبيا في الفصل الأول.
وبحسب "فرانس برس"، يُجمع محللون على احتمال تسجيل نمو طفيف جدا للناتج الإجمالي المحلي الأميركي بين إبريل/نيسان ويونيو/حزيران. إلا أن عددا من الخبراء الاقتصاديين يتوقعون أن يكون النمو سلبيا. ففي الفصل الأول، سجّل النمو انكماشا بنسبة 1.6% على أساس سنوي.
وأدت عوامل عدة إلى تراجع النشاط، وهي التضخم الحاد المتفاقم بفعل الحرب على أوكرانيا والمشكلات المرتبطة بسلاسل التوريد وانخفاض مساعدات الحكومة وعودة تفشي إصابات كورونا مع المتحوّرة أوميكرون.
وفي حال سُجل نمو سلبي في الفصل الثاني، فسيغرق اقتصاد الولايات المتحدة في ركود، وفقا للتعريف المتعارف عليه بشأن انكماش الناتج الإجمالي المحلي لفصلين متتاليين.
وهناك هيئة واحدة في الولايات المتحدة مخوّلة تحديد فترات الركود رسميا، هي المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية. لكن ذلك يأتي مع تأخير بضعة أشهر. وقد أوضح المكتب على موقعه الإلكتروني: "نحن نأخذ في الاعتبار سلسلة مؤشرات"، لافتا إلى أنه يقيّم أيضا "حجم تراجع النشاط".
وأكد الرئيس الأميركي جو بايدن، يوم الاثنين، أن بلاده لن تشهد ركودا، وتحاول إدارته حلّ المشكلة حتى قبل ظهورها، فيما اعتبرت وزيرة الخزانة جانيت يلين، الأحد، أن أول اقتصاد في العالم ليس في ركود، موضحة أن الركود "هو انكماش معمم للاقتصاد. وحتى لو كان الناتج الإجمالي المحلي في الفصل الثاني سلبيا، نحن لسنا في ركود حاليا".
بيد أن المعارضة الأميركية ترى في ذلك محاولة للتلاعب في الأرقام، حيث توجه الحزب الجمهوري إلى بايدن بالقول: "لا يمكنك أن تغيّر الحقيقة من خلال طرح نقاش حول التعريفات".