تونس: توسع الاحتجاجات ضد البطالة بعد اعتصام "الكامور"

22 نوفمبر 2020
محتجون يحتلون محطة ضخ نفط ويغلقونها خلال مظاهرة سابقة بمنطقة الكامور (ناصر طلال/الأناضول)
+ الخط -

توسعت الاحتجاجات حول منابع الثروات الطبيعية في مختلف محافظات تونس وسط تصاعد الغضب في المحافظات الداخلية نتيجة سوء الظروف الاجتماعية وارتفاع نسب البطالة الذي يدفع بطالبي العمل إلى التظاهر حول حقول الطاقة ومغاسل الفوسفات ومضخات الماء قرب السدود.

وبات إغلاق مضخات الثروات الطبيعية أو ما يطلق عليه محلياّ بـ"الفانة" عنوانا جديدا للاحتجاج في تونس بعد أن تمكّن محتجون حول حقول النفط في صحراء محافظة تطاوين جنوب غرب البلاد من انتزاع اتفاق مع الحكومة يقضى بتوفير أكثر من 1500 فرصة عمل عقب إغلاق لمحطة ضخ البترول دامت أكثر من 3 أشهر.

وفتح نجاح اعتصام الكامور في تطاوين الباب أمام المحتجين في محافظات البلاد للمطالبة بحقوقهم في التنمية والتشغيل باستعمال وسائل الضغط المتاحة في مناطقهم والتي تحوي الثروات الطبيعية.

ومنذ إعلان حكومة المشيشي توقيع اتفاق مع معتصمي الكامور في السادس من شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الحالي يسعى طالبو العمل في محافظات البلاد إلى إرغام السلطة على فتح قنوات التفاوض معهم أو إغلاق مضخات الثروات الطبيعية.

وأعلنت مجموعة من تنسيقيات المجتمع المدني في محتفظة باجة شمال غرب البلاد تنفيذ إضراب عام في الولاية يوم 25 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري كذلك شهدت محافظات القيروان وقابس والقصرين والكاف وقفات احتجاجية. وقال المحتجون إنهم سيغلقون مضخات الماء من السدود شمال البلاد.

ولمنع تصاعد الإغلاق والاحتجاجات وعد رئيس الحكومة بفتح المفاوضات مع طالبي العمل في كل محافظات البلاد، مشيرا إلى الحكومة مستعدة لتلبية مطالب العاطلين عن العمل.

 

 
وقال المشيشي إن "التعاطي مع ملف الكامور اعتمد الأسلوب القائم على الحوار واستعادة الثقة، مشيراً إلى أنه سيتم اعتماده في كل المحافظات، وخاصة المحافظات التي تعاني من إشكاليات تنموية".

وعّبر مهتمون بالشأن الاقتصادي في تونس عن مخاوفهم من أن تتسرب عدوى الكامور إلى كل محافظات البلاد وأن ترتفع وتيرة الإغلاق التي تعطّل الإنتاج، مطالبين الحكومة بزيادة الاستثمارات العالمة لتحريك عجلة التنمية في البلاد وتجنيب البلاد الخسائر التي تنتج عن الاعتصامات والإغلاق.

وقدرت الحكومة في وقت سابق خسائر إغلاق محطة ضخ الطاقة بسبب اعتصام الكامور بنحو 800 مليون دينار (الدولار = 2.73 دينار).

وقال الخبير الاقتصادي، محمد منصف الشريف، إن أشكال الاحتجاجات منذ عام 2011، تعرف تطوّرات مختلفة حتى باتت تستهدف قطاعات حيوية ومنها الفوسفات والطاقة والماء.

وأكد في تصريح لـ"العربي الجديد" أن احتجاجات طالبي العمل رغم مشروعيتها إلا أنها لا تبرر شل الاقتصاد والمرافق الحيوية، محذرا من تداعيات زيادة وتيرة الإغلاق على مستقبل الاستثمارات في البلاد.

وأفاد في ذات السياق أن المستثمرين الأجانب لن يجازفوا مستقبلا بإنشاء مشاريع تهددها الاعتصامات، وهو ما يزيد الفقر والبطالة في المحافظات التي تشكو بطبعها من ضعف التنمية، وفق قوله.

وكشف التقرير الشهري لمنتدى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية ارتفاع نسبة الاحتجاجات الاجتماعية في البلاد خلال شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي بـ16 بالمائة.

وبلغ عدد الاحتجاجات المسجلة خلال شھر أكتوبر/ تشرين الأول 871 تحركا احتجاجيا، مسجلة بذلك زيادة تناهز 16 بالمائة، ومنها 86.6 بالمائة تتسم بالاتجاه نحو العنف.

ومثلت الاحتجاجات العشوائية 756 تحرّكا من مجموع 871 احتجاجا، وهو ما يزيد من حدة المخاوف بخصوص مدى القدرة على تطويق الاحتقان الاجتماعي خلال الأسابيع القادمة، بحسب تقرير المنتدى.

وذكر التقرير أن الاحتجاجات العشوائية اتخذت منحى تصاعديا ما بعد الحجر الصحي الشامل لتبلغ أقصاها خلال شھر أكتوبر الماضي.

 

ومثلت المطالب الاقتصادية والاجتماعية أبرز الخلفیات المحركة للمحتجين طوال الشھر الماضي بنسبة ناھزت 75 بالمائة.

كما مثل المعطلون عن العمل الفاعلون الأساسيون للاحتجاجات بنسبة 30 بالمائة وتصدرت محافظة قفصة المنتجة للفوسفات صدارة الولايات التي شهدت التحركات العشوائية بتسجيل 189 تحرك احتجاجي.

ورجّح الناطق الرسمي باسم منتدى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية (منظمة مدنية)، رمضان بن عمر، أن يذهب المحتجون مستقبلا إلى الحلول القصوى التي تمكنهم من تحصيل مكاسب على غرار اعتصام الكامور.

وقال بن عمر إن الحكومات المتعاقبة تتحمّل مسؤولية تكريس سياسة ليّ الذراع بسبب تجاهلها للحراك الاجتماعي السلمي الذي غالبا ما يواجه إما بالصمت الرسمي أو باستعمال القوة، بحسب تأكيده.

وأضاف المتحدث باسم المنتدى لـ"العربي الجديد" أن فشل السلطة في احتواء الحراك الاجتماعي يدفع بالمطالبين بالعمل نحو الحلول القصوى ومنها وقف العمل حول مواقع الإنتاج.

وأشار إلى أن هذا الشكل من الاحتجاجات ظهر في تونس منذ عام 2008 إبان ثورة الحوض المنجمي في محافظات قفصة التي هيأت لسقوط نظام زين العابدين بن علي بعد عامين من اندلاع شرارة الغضب الأولى في البلاد.

ورغم ارتفاع وتيرة احتجاجات العمل وتمدد رقعتها الجغرافية تقول المؤشرات الرسمية حول البطالة إن نسب عدد العاطلين عن العمل في تراجع حيث تقلصت البطالة بنحو نقطتين خلال الربع الثالث من السنة مسجّلة انخفاضا من 18 % في الربع الثاني من العام إلى 16.2 % إلى نهاية أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.

وقال معهد الإحصاء الحكومي في بياناته حول السكان والتشغيل أن عدد العاطلين عن العمل بلغ خلال الربع الثالث من السنة الحالية 676.6 ألفا من مجموع السكان النشيطين مقابل 746.4 ألف عاطل عن العمل تم تسجيله خلال الربع الثاني لسنة 2020.

وبسبب الجائحة الصحية وإجراءات الإغلاق المشدد التي اتخذتها السلطات التونسية لمدة 8 أسابيع نهاية شهر مارس/ أذار الماضي سجلت تونس أعلى معدلات البطالة التي عرفتها البلاد منذ سنوات، كما فقد نحو 270 ألف تونسي وظائفهم، وفق بيانات رسمية.

وتمكنت العديد من القطاعات الحيوية خلال الربع الثالث من استعادة نشاطها والاحتفاظ بمواطن العمل واستعادة موظفيها ما نتج عنه تقلص في النسب العامة للبطالة.

ويعاني الاقتصاد التونسي من انكماش تاريخي بسبب جائحة كورونا ومخلفات الإغلاق الاقتصادي، حيث تراجع الناتج المحلي الإجمالي خلال الربع الثاني من سنة 2020 بنسبة غير مسبوقة بلغت 21.6% مقارنة بالربع الثاني من سنة 2019.

المساهمون