تقرير بريطاني: مصر تعالج أزماتها المالية بالديون والحظ

14 مارس 2024
تراجع حاد في سعر الجنيه (Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- خبراء اقتصاد يحذرون من استمرار ارتفاع التضخم في مصر، مما قد يؤدي إلى إهدار الأموال من بيع الأصول العامة وقروض صندوق النقد الدولي، ويزيد من خطر الديون.
- التقرير يناقش توقعات بزوال زخم الإصلاحات الاقتصادية بمصر، مع تركيز الحكومة على تعهدات لصندوق النقد تشمل تحرير سعر الصرف وضبط السياسة النقدية، ويشير إلى تحديات التضخم.
- يحذر من مخاطر الأموال الساخنة وزيادة تقلب سعر الصرف، مع تحديات في الالتزام بالتشدد المالي وتمكين القطاع الخاص، وينتقد الاعتماد المفرط على بيع الأصول والتأثير السلبي على الاستقرار الاقتصادي.

حذر خبراء اقتصاد من استمرار تصاعد معدلات التضخم في مصر بشكل مفرط خلال الفترة المقبلة، بما يهدر قيمة التدفقات المالية التي حصلت عليها الدولة من بيع الأصول العامة وصندوق النقد، ويدفع إلى الوقوع في فخ الديون إلى الأبد.
أعرب خبراء بالمعهد الملكي للشئون الدولية بلندن "تشاتام هاوس" عن خشيتهم من اعتياد الحكومة على تحسن التوقعات الاقتصادية في مصر على الحظ بعيداً عن المهارة، في إدارة الأزمة الاقتصادية.
قال خبراء المعهد المتخصص في تقديم الاستشارات الاقتصادية والأمنية للحكومات إن الحظ يشكل سلعة ثمينة في إدارة الدولة للأزمة المالية، حيث ساعد على مواجهة أزمة النقص في الدولار على المدى القريب وخطر التخلف عن سداد الديون، مشيراً إلى أن تدفق استثمارات من دولة الامارات، والقرض الإضافي من صندوق النقد الدولي، وفرا 10% من الناتج المحلي البالغ 400 مليار دولار.
أوضح خبير برنامج الاقتصاد العالمي والتمويل بالمعهد، مايكل كلاين، أن الموقع الاستراتيجي لمصر في جزء هش من العالم، وأهميتها السياسية بالنسبة للولايات المتحدة، ودورها المحتمل في تحقيق التهدئة في غزة بعد الحرب، وقربها من جيرانها الأثرياء، يمنحها حظاً وفيراً في أن تصبح ثاني أكبر مقترض من صندوق النقد.

يتوقع الخبير الاقتصادي، في تقرير المعهد الملكي الصادر منذ يومين، زوال الزخم حول اتباع برنامج إصلاحي شامل، مع تركيز الحكومة على تنفيذ تعهدات لصندوق النقد يقضي بتحرير سعر الصرف، وضبط السياسة النقدية والمالية وخلق بيئة مواتية لتمكين القطاع الخاص من ريادة الأعمال، بينما يحتاج على المدى الطويل إلى صناع سياسات يتمتعون بالمهارة وليس مجرد الحظ.
بين الخبير أن الإصلاح الأكثر وضوحاً الذي وافقت مصر عليه هو خفض قيمة الجنيه وإدخال سعر الصرف المرن، الأمر الذي دفع البنوك إلى تحريك سعر الدولار من 31 جنيهاً إلى 50 جنيهاً، معتمدة على إدارة المشهد بضربة حظ، في حين أن هذه زيادة كبيرة في سعر الصرف للعملات الصعبة.
يوضح كلاين أن البنك المركزي وافق على تخفيض قيمة سعر الصرف في إطار تشديد قوى للسياسة النقدية، للحد من ارتفاع معدلات التضخم، مؤكداً أن مرونة سعر الصرف في وجود تضخم مرتفع بشكل مفرط، يبلغ نحو 36% حالياً، أمر مستحيل الحفاظ عليه، وسوف يمثل مشكلة دائمة، لأن سعر الصرف المرن شرط ضروري لـ"المركزي" لتنفيذ نظام يستهدف التضخم، والذي بدونه سيكون من المستحيل تقريباً تثبيت توقعات التضخم نحو خانة الآحاد.
أشار الخبير إلى أن تعهد البنك المركزي باستهداف الهبوط بمعدل التضخم لن يتحقق، مع اعتماد البنك على نفس السياسات التي اتبعها خلال فترات التعويم السابقة، عندما يواجه نقصاً حاداً في الدولار.
يذكر الخبير أن المسؤولين المصريين يميلون إلى الوقوع في فخ فكرة ساذجة للغاية مفادها أن العملة المستقرة هي وسيلة فعالة لإظهار أن البلد مستقر، فيقعون ضحية "الخوف من التعويم"، مبيناً أن هذه الفكرة الخاطئة، ولا تسمح للعملة بالعثور على مستواها الفعلي وتحقيق الاستقرار الاقتصادي.

اقتصاد عربي
التحديثات الحية

يحذر التقرير الحكومة من تشجيع الأموال الساخنة على العودة للبلاد بقوة، لتحقيق مكاسب عالية من ارتفاع سعر الفائدة الإسمية، وانخفاض قيمة الجنيه، مؤكدا أن رأس المال الذي يدخل مصر بهذا الشكل عديم الفائدة اقتصاديا، ويجب تقييده إما عن طريق الضرائب أو التنظيم، معتبرا أن خفض هذا النوع من التدفق يجعل سعر الصرف المرن أقل تقلبا ويساعد الدولة على إدارة مخاوفها من التعويم.
يشير التقرير إلى أن السجل السيئ للتعويم يحد من الثقة في مدى التزام الحكومة بالتشدد المالي، في ظل ارتفاع الدين العام الذي أصبح يمثل نحو 100% من الناتج المحلي الإجمالي.
يتوقع التقرير أن تتلاعب الحكومة باتفاقها مع صندوق النقد، في موافقتها على منح القطاع الخاص القدرة على قيادة النمو، في ظل وجود تضارب بين تصريحات الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي يحرص على مشاركة أوسع للجيش في الاقتصاد، والتوسع في مشروعات القومية الكبرى، مع مزاحمة القطاع الخاص، في قطاعات التشييد وإنتاج الغذاء وتوزيعه والأدوية والسياحة، وكل ما يثبط الكفاءة الاقتصادية، خوفا من أن تؤدي تقليص دور الجيش في الاقتصاد إلى تقويض حكمه.
يذكر التقرير أن الحظ قد يكن موجوداً لفترة من الوقت بجانب الحكومة، بعد مشاركة الجيران الأثرياء صندوق النقد في تدبير نحو 40 مليار دولار، لتأمين العجز في الموازنة وضمان سداد التزامات مصر لخدمات الدين وأقساط القروض الدورية، مؤكدا أن ذلك لا ينتج على الدوام عملة مستقرة.

في سياق متصل حذر خبراء اقتصاد من مخاطر انجراف مصر نحو مشروعات إصلاح اقتصادي يديرها صندوق النقد الدولي، التي تعتمد على تحرير سعر الصرف والتحرر المالي وبيع الأصول العامة، بما يوقع مئات المصريين في براثن الفقر والبطالة.

يشير خبراء في مناقشات أجراها مشروع "حلول للسياسيات البديلة بالجامعة الأميركية بالقاهرة" إلى أن نمط اندماج مصر في الاقتصاد العالمي، بالاعتماد المفرط على الريع من قناة السويس وبيع الوقود والتحويلات من الخارج، يخلق نقاط ضعف جيوسياسية شديدة، ويؤدي إلى عدم الاستقرار وتقويض قطاع الصناعة، ويحفز على هروب رؤوس الأموال، ويفرض نفقات دفاعية بالغة الضخامة، بما يؤثر سلباً على الدخل القومي والكفاءة الاقتصادية، ومعدلات البطالة والفقر وتوزيع الدخل والثروة والسلطة.

المساهمون