بريطانيا: ارتفاع جنوني بكلف المعيشة ... والطبقة الوسطى تنكمش

02 سبتمبر 2022
لندن أغلى مدن العالم من حيث الإيجارات (Getty)
+ الخط -

ترتفع كلف المعيشة في بريطانيا بمعدلات جنونية وتضرب ميزانيات الأسر وترفع من معدلات الفقر في بريطانيا وتتدهور بسرعة مستويات المعيشة للطبقات ذات الدخل المتوسط والمنخفض وتتقلص نسبة الطبقة الوسطى في المجتمع، خاصة في المدن الرئيسية بالبلاد وعلى رأسها لندن.

وحسب نشرة "سيتي أيه أم" التي تعني بشؤون حي المال البريطاني، فإن لندن باتت رابع أغلى مدينة من حيث كلف المعيشة في العالم. وتشير النشرة إلى أن الغلاء في بريطانيا يعود إلى أربعة أسباب رئيسية وهي غلاء كلف إيجارات المساكن والأقساط العقارية للمنازل وفواتير الكهرباء والغاز والتدفئة والارتفاع الكبير في أسعار الغذاء ووقود السيارات وتذكرة المواصلات.
وترى النشرة أن كلف المعيشة في لندن باتت أغلى بنسبة 25% من نيويورك التي تعد ثاني أغلى مدينة في العالم من حيث مؤشر كلف المعيشة خلال النصف الأول من العام الجاري.
من جانبه يقول موقع "أكسباتستان" اللندني الذي يرصد كلف المعيشة في العالم، إن كلف المعيشة في بريطانيا باتت أغلى من 83% من دول العالم، وهي الآن الدولة الرابعة من حيث غلاء المعيشة بين الدول الغربية.
ويقدر الموقع كلف المعيشة الشهرية لعائلة مكونة من أربعة أفراد بنحو 4.240 جنيها إسترلينيا في المتوسط وكلفة المعيشة الشهرية للفرد الواحد بنحو 2.504 جنيهات إسترلينية.
هذه الكلفة لا تشمل إيجار السكن الذي بات يفوق ألفي جنيه إسترليني لشقة مكونة من غرفة واحدة، مساحة 900 قدم مربعة وفوق 2.500 لشقة مكونة من غرفتين في العديد من الأحياء بالمدن البريطانية.
ويرى محللون أن من يشغل منصب رئاسة الوزراء في بريطانيا سيحتاج إلى إجازة حزمة مالية للأسر البريطانية تخفف من التداعيات الخطرة لغلاء المعيشة التي باتت ترفع من نسبة الفقر في البلاد.
وفي ذات الصدد تقول دراسة للبرلمان البريطاني صدرت في 17 أغسطس/ آب الماضي، إن فاتورة الغاز للمستهلك ارتفعت في المتوسط بنسبة 96% بين يوليو/ تموز العام 2021 ويوليو/ تموز العام الجاري. كما ارتفعت فاتورة الكهرباء في نفس الفترة بنسبة 54%.
وحسب بيانات "يورو ستات" فإن معدل التضخم البريطاني بات أعلى من نسبة التضخم بالعديد من دول القارة الأوروبية، حيث إنه أعلى من نسبة التضخم في فرنسا البالغة 6.8%، وأعلى من ألمانيا البالغة نسبة التضخم فيها 8.5%. ويقدر بنك إنكلترا، البنك المركزي البريطاني، أن يرتفع معدل التضخم إلى نسبة 13.1% في الربع الجاري من العام الحالي مقارنة بنسبة 8.6% في المتوسط بمنطقة اليورو. ويذكر أن معدل التضخم بلغ في يوليو/ تموز نسبة 10.1%.
وأعلن اتحاد التجزئة في بريطانيا ارتفاع أسعار المواد الغذائية في المتاجر خلال شهر أغسطس/ آب إلى أعلى مستوى منذ عام 2005، حيث قفزت الأسعار إلى 5.1٪، ارتفاعا من 4.4٪ في يوليو/ تموز، جراء الحرب في أوكرانيا.
وأضاف الاتحاد، في تقرير صدر يوم الأربعاء، أن معدل التضخم ارتفع إلى أعلى مستوياته منذ أغسطس 2008، وأن التضخم في أسعار المواد الغذائية تسارع بقوة حيث وصل إلى 9.3٪ في أغسطس، مرتفعا من 7٪ في يوليو"، وأكد أن هذا "أعلى معدل للتضخم منذ أغسطس 2008".

وقالت الرئيسة التنفيذية لاتحاد التجزئة، هيلين ديكنسون: "أدت ضغوط التكلفة المتزايدة صعودًا وهبوطًا في سلاسل التوريد إلى ارتفاع تضخم أسعار المتاجر إلى مستوى مرتفع جديد في أغسطس".
وأضافت: "تسببت الحرب في أوكرانيا وما تلاها من ارتفاع في أسعار العلف الحيواني والأسمدة والقمح والزيوت النباتية في ارتفاع أسعار المواد الغذائية".
وتابعت: "أسعار المواد الغذائية الطازجة تضخمت على وجه الخصوص، وارتفعت إلى أعلى مستوى منذ عام 2008، وشهدت منتجات مثل الحليب والسمن ورقائق البطاطس أكبر ارتفاع".
ولفتت إلى أن "الارتفاع في أسعار المتاجر يلعب دورا في التضخم الأوسع في المملكة المتحدة، والذي يتوقع بعض المحللين أنه قد يصل إلى 18٪ في عام 2023"، وحذرت أن "الوضع قاتم لكل من المستهلكين وتجار التجزئة".
وقال مايك واتكينز، رئيس قسم التجزئة والأعمال لدى شركة نيلسن آي كيو للتحليلات، إن "التضخم مستمر في التسارع، والمتسوقون حذرون بالفعل بشأن مقدار ما ينفقونه على البقالة، ومع انخفاض حجم المبيعات في محلات السوبر ماركت في الأشهر الأخيرة، يمكننا أن نتوقع أن يظل هذا المستوى من تضخم الغذاء معنا لمدة 6 أشهر أخرى على الأقل، ولكن نأمل أن تبدأ بعض ضغوط تكلفة المدخلات في سلسلة التوريد بالتراجع في النهاية".
ومن المتوقع أن تشهد بريطانيا مزيداً من الارتفاع في كلف المعيشة خلال الربع الجاري والعام المقبل 2023 وسط التراجع المتواصل لسعر صرف الإسترليني مقابل الدولار، خاصة وأن بريطانيا تعتمد على استيراد الطاقة والعديد من المواد الغذائية من الخارج.
وتراجع سعر صرف الجنيه الإسترليني أمس الخميس إلى أقل من 1.16 دولار وسط التداعيات الخطيرة لأزمة الطاقة وتأثيرها على الأعمال التجارية والمستهلك البريطاني.
وهذا المستوى السعري للعملة البريطانية يعد الأدنى منذ العام 2016 ودفعت مخاوف وقوع بريطانيا في الركود الاقتصادي او حتى "الركود التضخمي" الجنيه الإسترليني إلى خسارة 4.5% مقابل الدولار في شهر أغسطس/ آب الماضي.
وبينما يتجه "بنك إنكلترا" إلى زيادة معدل الفائدة لمحاربة الضغوط التضخمية خلال العام في الشهور المتبقية، وربما في النصف الأول من العام المقبل ترتفع أسعار أقساط القروض السكنية وتضغط أكثر على ميزانية الأسر بفواتير الطاقة والغذاء.
ويرى محللون أن كلفة المعيشة المرتفعة باتت تؤثر سلباً وبدرجة كبيرة على الإنفاق الاستهلاكي الذي تعتمد عليه الأعمال التجارية في النمو الاقتصادي. وتجبر كلف المعيشة المرتفعة المواطنين في بريطانيا منذ بداية العام الجاري على اقتصار الصرف على السلع الاستهلاكية. وتتضرر بذلك تجارة الترفيه والمطاعم والفنادق التي كانت تنعش الاقتصاد البريطاني المقدر حجمه بنحو 3.186 مليارات دولار، حسب بيانات البنك الدولي في العام الماضي. وتعرض الاقتصاد البريطاني للانكماش خلال العام الجاري. ويرى محللون أن الكلفة المرتفعة للمعيشة تؤثر بشكل كبير في دخل الجامعات البريطانية التي تعتمد بدرجة كبيرة على استقطاب الطلاب الأجانب.

ويذكر أن الاقتصاد البريطاني عانى من أزمة الخروج من عضوية الاتحاد الأوروبي التي يطلق عليها اختصاراً "بريكست" التي ضربت العلاقات التجارية للشركات مع دول الكتلة الأوروبية. كما قلصت بريكست من حجم البورصة البريطانية التي خسرت العديد من عمليات التسوية. وانكمش الاقتصاد البريطاني بنسبة 0.6% في يونيو/حزيران الماضي وبنسبة 1.3% في الربع الأول من العام الجاري.
وتقول دراسات بريطانية إن التحدي الحقيقي الذي تواجهه بريطانيا ليس بريكست ولكنه الركود طويل الأجل في الإنتاجية وفي الدخول الحقيقية، التي تعني الدخل بعد حسم التضخم والضرائب. وترى دراسة "ذا ريزوليوشن فوندايشن" إذا لم تستطع الدولة حل هذا التحدي فمن غير المتوقع أن يحدث تحسن في مستوى المعيشة.

المساهمون