النفط يشعل احتجاجات قبلية في حضرموت... هل يتكرر سيناريو الحوثيين في صنعاء؟

25 اغسطس 2024
سائقون ينتظرون في طوابير لتزويد سياراتهم بالوقود في عدن (الأناضول)
+ الخط -

استبق تحالف قبلي في محافظة حضرموت اليمنية (جنوب شرقي البلاد) جهود الحكومة لاستئناف تصدير النفط الخام بمطالبات منع التصدير، وتحويل الإنتاج للاستهلاك المحلي، مع تخصيص نسبة من العائدات لصالح مشاريع البنية التحتية في المحافظة النفطية.

وسيطر حلف قبائل حضرموت على المشهد في المحافظة قبل استئناف تصدير النفط، من خلال مظاهر مسلحة ومجاميع فرضت حصاراً على حقول النفط، ونصبت نقاط تفتيش اعترضت شاحنات شركة بترومسيلة التي تزود محطات توليد الكهرباء بالمازوت اللازم للتشغيل.

يأتي هذا بالتزامن مع كشف مصادر يمنية عن جهود حكومية لاستئناف تصدير النفط. وقالت مصادر حكومية لـ"العربي الجديد" ان شحنة أولى من النفط الخام تقدر بنحو ثلاثة ملايين برميل كانت جاهزة للتصدير من ميناء الضبة النفطي وميناء النشيمة بمحافظة شبوة على البحر العربي جنوب شرقي البلاد، لكن تعثر اتفاق التهدئة الاقتصادي الأخير لوقف التصعيد المصرفي (بين الحكومة الشرعية وسلطات الحوثيين) أعاق التصدير، وجاءت احتجاجات قبائل حضرموت لتزيد من تعقد الملف.

وتعيد احتجاجات قبائل حضرموت التذكير باجتياح جماعة الحوثيين العاصمة صنعاء، بعد اعتصام على أطراف العاصمة، للمطالبة بتخفيض زيادة أسعار المشتقات النفطية بواقع 500 ريال فرضتها حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي آنذاك التزاماً بشروط صندوق النقد الدولي للحصول على قرض بقيمة نصف مليار دولار.

وتمضي قبائل حضرموت على خطى جماعة الحوثيين، وفق مراقبين، وانتقلت من مجرّد المطالبة السلمية بحصة من عوائد النفط إلى تجنيد مئات الشباب وإقامة معسكرات تدريب، والتهديد باستخدام قوّة السلاح للسيطرة على شركات إنتاج الخام والمعدات والمنشآت الخاصة باستخراج الخام ونقله وتصديره.

وحذر ما يعرف بحلف قبائل حضرموت في بيان، قبل أيام، من "الإقدام على أي تصرف بنفط حضرموت أو تصديره أو تسويقه إلا بعد تثبيت مكانة المحافظة وضمان حقوقها بما يرتضيه أهلها"، معتبراً أن "المخزون النفطي الحالي في خزانات ميناء الضبة والمسيلة حق من حقوق حضرموت ولا تنازل عنه، على أن تسخر كامل قيمته لشراء طاقة كهربائية للمحافظة، وأن يجرى مستقبلاً تكرير النفط وتحويله للاستهلاك المحلي.

ولا يمتلك اليمن مصافي لتكرير الخام بعد تراجع طاقة مصفاة عدن في تكرير النفط من 150 ألفاً الى 50 الف برميل يومياً منذ بداية الحرب، وتعمل مصفاة تكرير النفط في محافظة مأرب شرقي البلاد بطاقة محدودة لا تتجاوز 10 آلاف برميل يومياً. وأعلن محافظ حضرموت مبخوت بن ماضي، في الثامن من أغسطس/آب الجاري، عن إنجاز 80% من مشروع مصفاة لإنتاج المازوت شرعت السلطة المحلية في إنشائها في حضرموت منذ عشرين شهراً، وقال إنها ستسهم في ضمان استدامة توفير المحروقات من مادة المازوت لتشغيل محطات كهرباء المحافظة.

وقال المحلل الاقتصادي عبد الواحد العوبلي إنه تمكن معالجة مشكلة تكرير النفط، موضحاً لـ"العربي الجديد" أن الحكومة تستطيع شراء مصفاة نفط جاهزة بقيمة لا تتجاوز 100 ألف دولار وتعمل على تكرير 20 ألف برميل يومياً".

وقال العوبلي وهو مسؤول سابق في شركة صافر المحلية لإنتاج النفط: "اليمن يستورد مشتقات نفطية من الخارج بقيمة 3.4 مليارات دولار سنوياً، ويصدر نفطاً خاماً في أحسن الأحوال بقيمة 1.5 مليار دولار، وبالتالي يدفع البلد ضعف النفط المصدر من اجل تغطية فاتورة واردات الوقود"، معرباً عن تأييده توجيه الإنتاج إلى الاستهلاك المحلي. وأضاف: "من خلال استخدام النفط للاستهلاك المحلي، تتحرر الحكومة من عبء تغطية فاتورة واردات الوقود لتشغيل محطات التوليد، فضلاً عن توفير عملة صعبة كانت تذهب لشراء مازوت محطات الطاقة".

ولاقت مطالب حلف قبائل حضرموت تأييداً من قطاع واسع من أبناء المحافظة. ويأتي تصعيد قبائل حضرموت في وقت تعاني فيه الحكومة أزمة مالية حادة، وتعجز عن تغطية الالتزامات المالية الأساسية المتمثلة في دفع الرواتب وتوفير الخدمات العامة، وفي صدارتها خدمة الكهرباء التي تشهد تدهوراً منذ دخول فصل الصيف، وارتفعت عدد ساعات انقطاع التيار إلى 12 ساعة يومياً.

في المقابل، تبدو مطالب قبائل حضرموت غير منطقية في نظر خبراء في البترول. وقال الباحث في هيئة استكشاف وإنتاج النفط لبيب ناشر إن تحويل النفط للاستهلاك المحلي يصطدم بعدم وجود طاقة استيعابية لتكرير الخام، فضلاً عن اتفاقيات التشغيل التي تمنح شركات الإنتاج نسبة كبيرة من عائدات التصدير.

وأضاف ناشر لـ"العريي الجديد" أن "مصفاة عدن خارج الخدمة تقريباً، ومصفاة مأرب في أفضل حالاتها كانت تصفي فقط عشرة آلاف برميل، الآن الإنتاج أقل بالتأكيد، لكي يُصفّى نفط حضرموت لا بد من نقله إلى عدن، ولكن قبلها تنبغي إعادة تأهيل مصفاة عدن".

وقال: "أعتقد أن ما تفعله قبائل حضرموت هو ردة فعل على إصرار الحكومة على استئناف تصدير النفط، لكن تغيب عن هذا التصرف دراسة علمية واقتصادية عن إمكانية تحقيق تلك المطالب، تصدير النفط يعود بالنفع للحكومة والشركات المنتجة، أما أي شي آخر غير ذلك فقد يساعد في تلبية الخدمات للداخل، ولكن لن يغطي كلفة الإنتاج للشركات النفطية".

واليمن منتج صغير للنفط، وبلغ حجم الإنتاج 110 آلاف برميل يومياً عام 2014 قبيل اجتياح جماعة الحوثيين العاصمة صنعاء وتوقف الإنتاج مدة عام ونصف عام، قبل أن تستأنف الحكومة الشرعية إنتاج النفط منذ أغسطس/آب 2016 بطاقة 60 ألف برميل يومياً فقط. وعلى الرغم من تواضع الإنتاج، كانت عائدات النفط الخام تمثل أكثر من 70% من الموازنة العامة للدولة في فترة ما قبل الحرب، واستمرت الحكومة في الاعتماد الكلي على عائدات النفط خلال سنوات الحرب على الرغم من محدودية الإنتاج.

المساهمون