العقوبات الأميركية على إيران... من الخاسر الأكبر؟

23 ابريل 2024
إيران لجأت إلى عدة استراتيجيات لتخفيف آثار تلك العقوبات (Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- العقوبات الأمريكية على إيران بدأت في 1979 بسبب أزمة الرهائن، وتشددت بمرور الزمن خصوصًا بسبب البرنامج النووي الإيراني ودعم الميليشيات، مع تجميد الأصول وحظر التجارة كأبرز الإجراءات.
- إيران طورت "الاقتصاد المقاوم" لمواجهة العقوبات، معتمدة على الاكتفاء الذاتي وتعزيز الصناعات المحلية، وواصلت توسيع نفوذها الإقليمي وبرنامجها النووي رغم الضغوط.
- العقوبات أثرت على الاقتصاد الإيراني لكنها فشلت في تغيير السياسات الإيرانية الأساسية أو كبح توسعها الإقليمي، مما يعكس تعقيد تحقيق الأهداف السياسية عبر العقوبات الاقتصادية وحدها.

أكثر كلمة اقتصادية قرأتها عن إيران خلال السنوات الماضية، هي "العقوبات"، سلاح أميركي ضد العالم. بعد 14 إبريل/نيسان، وتحليق الطائرات المسيّرة الإيرانية نحو إسرائيل، استهدفت الولايات المتحدة وبريطانيا قطاع إنتاج الطائرات المسيّرة ومحركاتها بالعقوبات.

وبحسب بيان لوزارة الخزانة الأميركية، فإن العقوبات تستهدف 16 فرداً وكيانين مكّنوا من إنتاج الطائرات المسيّرة وتصنيع محركات تشغل طائرات "شاهد 131" بدون طيّار. وقالت الوزارة إنها فرضت عقوبات على خمس شركات مرتبطة بصناعة الصلب الإيراني وثلاث شركات تابعة لشركة مصنّعة للسيارات في إيران.

كما أقرّ مجلس النواب الأميركي عقوبات جديدة على قطاع النفط الإيراني من المقرر أن تجد طريقها إلى مجلس الشيوخ في غضون أيام، ومن شأن التشريع أن يوسّع العقوبات ضد إيران لتشمل الموانئ والسفن والمصافي الأجنبية التي تعالج أو تشحن الخام الإيراني عن عمد، في انتهاك العقوبات الأميركية الحالية.

كما ستوسّع ما يسمى بالعقوبات الثانوية لتشمل جميع المعاملات بين المؤسسات المالية الصينية والبنوك الإيرانية الخاضعة للعقوبات والتي تستخدم لشراء النفط والمنتجات المشتقة من الخام. لا تزال هذه الأداة، العقوبات، منذ العام 1979 تشكل دوراً محورياً في السياسة الخارجية للولايات المتحدة وحلفائها في سلوكها ضد إيران، ومن حيث إنها تهدف إلى كبح جماح الأنشطة النووية والعسكرية الإيرانية وعزل إيران عن المسرح الدولي، فقد تركت أثراً عميقاً على الاقتصاد الإيراني بالفعل، ولكنها من جهة أخرى لا تزال تثير جدلاً واسعاً حول قدرتها على تحقيق الهدف؟

مسلسل العقوبات على إيران

لنعد إلى البداية، حيث فرضت الولايات المتحدة عقوبات على طهران في العام 1979 بعد أحداث السفارة الأميركية في طهران، وشملت تجميد ما يقرب من 12 مليار دولار من الأصول الإيرانية في الخارج وحظراً تجارياً. رُفعت لاحقاً في العام 1981.

في الفترة بين 1981 – 1987 وبسبب سلوك إيران ضد دول الخليج العربي والولايات المتحدة، أقرّت إدارة الرئيس رونالد ريغن في 1987 عقوبات على إيران، وتم تشديدها في العام 1995. وبعد انخراط إيران في البرنامج النووي ورفضها الامتثال لقرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 1696 الذي طالبها بوقف برنامج تخصيب اليورانيوم، استهدفت إدارة الرئيس جورج دبليو بوش في حزيران 2005 المنظمات والأفراد الإيرانيين المرتبطين بالبرنامج، ومنع التعاون الدولي في مجال الطاقة النووية، وتقييد الوصول إلى التكنولوجيا النووية ذات الاستخدام المزدوج.

وفي العام 2006 اعتمد مجلس الأمن الدولي القرار 1737 وتبعه قرارات أخرى في السنوات التالية لفرض عقوبات على القطاع المالي والعسكري الإيراني، إذ استهدفت العقوبات استثمارات النفط والغاز والبتروكيماويات، وصادرات الخام المكرر، وقيوداً على المعاملات البنكية والتأمينات، والشحن، وخدمات استضافة مواقع الويب للأغراض التجارية، وخدمات تسجيل النطاق.

وبين 2011 و2015 فرضت أميركا مجموعة واسعة من العقوبات على إيران في القطاع المالي، تم على إثرها تجميد الأصول الإيرانية في البنوك الدولية، وفرض حظر على التعامل مع البنك المركزي الإيراني، ومنع إيران من استخدام نظام الدفع الدولي "سويفت"، كما طبّقت حظراً على تصدير النفط الإيراني مستهدفة الشركة الوطنية الإيرانية للنفط، ووزارة النفط وشركات النقل البحري والشركات التجارية التي تسهّل مبيعات النفط الإيراني.

وفي القطاع التجاري فرضت قيوداً على التجارة مع إيران، بما في ذلك تصدير العديد من السلع والمنتجات الأميركية إلى إيران، ومنع استيراد السلع الإيرانية، واستهدفت شركات خارج إيران، منها شركات تعمل في الصين والإمارات، بسبب التجارة في البتروكيماويات والنفط الإيراني رغم العقوبات الأميركية. كما طاولت العقوبات مسؤولين حكوميين، وشخصيات عسكرية، وقادة في "الحرس الثوري الإيراني"، و"فيلق القدس" ووزارة الدفاع وإسناد القوات المسلحة وأفراداً متهمين بانتهاكات حقوق الإنسان أو دعم الإرهاب.

في العام 2015 تم التوصل إلى الاتفاق النووي الإيراني المعروف باسم "خطة العمل الشاملة المشتركة" بين إيران ومجموعة 5+1، وتضمّن رفع العقوبات المفروضة على إيران مقابل تقييد برنامجها النووي. وبعد وصول دونالد ترامب إلى السلطة في العام 2018 انسحب البيت الأبيض من الاتفاق، وأعاد فرض جميع العقوبات التي تم رفعها، إضافة إلى عقوبات جديدة أشد. ومع مجيء الرئيس جو بايدن إلى السلطة في العام 2021 أجرت الإدارة الأميركية الجديدة مراجعة للعقوبات المفروضة، مع الإشارة إلى إمكانية العودة إلى الاتفاق النووي إذا التزمت إيران بشروطه، وبدأت المحادثات مجدداً في العام 2022 من فيينا لإحياء الاتفاق، ولم يتم التوصل إلى اتفاق جديد يرفع العقوبات حتى اليوم.

كيف أثرت العقوبات على إيران؟

ربما يتوارد إلى الذهن لمن رأى مسلسل العقوبات على إيران، أن الحكومة الإيرانية ستعدّل من سياساتها وسلوكها، ولكن ما حصل العكس، إذ استمرّت إيران في برنامجها النووي والتمدد إلى دول الجوار منذ القرار الأول للعقوبات، ورأت نفسها نداً لأميركا والغرب.

وأقرّ المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي استراتيجية "الاقتصاد المقاوم" مشيراً أنه نظام اقتصادي إسلامي يتمتع بالمرونة والتكيّف مع الظروف الحالية، ويقوم على عدة محاور بينها: تحسين المؤشرات الاقتصادية العامة، والقدرة على المقاومة أمام التهديدات، والاعتماد على الطاقات الداخلية، وجعل الشعب والعلم محورين بارزين ضمن الخطة، وإرادة عالية في تنفيذ الخطط، وتحقيق الاكتفاء الذاتي من السلع الاستراتيجية، وخفض الاعتماد على عائدات النفط، وتعديل نمط الاستهلاك، ومكافحة الفساد.

في الوقت الذي كان البيت الأبيض يتوقع خضوع إيران أمام العقوبات والصدمات المتتالية، اتبعت حكومة طهران استراتيجيات حماية ومقاومة من العقوبات، وزادت طهران من تدخلها في المنطقة. ووسعت نفوذها في اليمن وسورية ولبنان والعراق وغيرها، واستمرت في تهديد أمن دول الخليج العربي، والأردن. لا شكّ أن العقوبات أثّرت وتؤثر على اقتصاد إيران، من ناحية انخفاض قيمة العملة المحلية، التومان، فقد شهدت انخفاضاً حاداً في قيمتها مقابل الدولار وصلت إلى حدود 65 ألفاً في شهر نيسان 2024 مما يزيد من تكلفة الواردات ويؤثّر سلباً على القوة الشرائية للمواطنين.

وسبّبت العقوبات في ارتفاع معدل التضخم ارتفاعاً ملحوظاً، فوفق أحدث بيانات البنك المركزي الإيراني، بلغ معدل التضخم السنوي المنتهي في شهر آذار 2024 نسبة 52.3% وهو أعلى معدل تضخم سنوي منذ 80 عاماً، ممّا يسبب زيادة أعداد الفقراء ويؤثر سلباً على معيشة المواطنين.

إلا أن الأثر الأكبر طاول قطاع النفط والغاز، فنظراً إلى أن صادرات النفط والغاز تمثل جزءاً كبيراً من إيرادات الاقتصاد الإيراني، تأثرت بشدة بعد انخفاضها إلى 400 ألف برميل يومياً من نحو 3 ملايين برميل يومياً. كما تأثرت قطاعات متعددة مثل الصناعات الطبية والكيميائية والتعدينية بسبب نقص المواد الخام والمعدات، وتراجعت الاستثمارات الأجنبية بسبب المخاوف من العقوبات ما أثّر على نمو الاقتصاد وتوفير فرص العمل، وقد نتج عن كل ذلك زيادة السخط الشعبي ضد الحكومة، واحتجاجات داخلية وزيادة في التوترات الاجتماعية والسياسية في البلاد.

في المقابل لجأت إيران إلى عدة استراتيجيات لتخفيف آثار تلك العقوبات، منها تعزيز الصناعات المحلية، والبحث عن أسواق بديلة في آسيا وأفريقيا، كما سعت إلى تعزيز التعاون مع دول مثل روسيا والصين لتأمين الاستثمارات اللازمة في البنية التحتية.

إذن، هل تأثّر الاقتصاد الإيراني بالعقوبات؟

الجواب نعم، وبشدة. في المقابل هل استمرت إيران في برنامجها النووي وتهديد السلم والاستقرار الإقليمي، الجواب، نعم وبشدة. وعليه إذا كان هدف العقوبات اقتصادياً، فقد تحقق نسبياً، من وجهة نظر أميركية، لا إيرانية فهي تظهر أنها غير آبهة بالعقوبات والمنهج الاقتصادي الغربي. وإذا كان هدفها سياسياً وعسكرياً، فقد تمددت على عدة جبهات، بدون رادع، ولديها القدرة على التحكم في قرارات عدة دول في المنطقة.

في النهاية، ربما نجحت العقوبات ظاهرياً، ولكن فشلها الجوهري كان واضحاً، إذ بقي الأثر السياسي والعسكري محدوداً جداً. والخاسر ليس إيران أو أميركا، الخاسر من يعتمد ويعتقد أن العقوبات ستؤثر على إيران وسلوكها في المنطقة.

المساهمون