"العقد الضائع" يطارد إسرائيل... عجز وتضخم وتصنيف منخفض

08 أكتوبر 2024
+ الخط -

مرت سنة كاملة من الحرب، وهي واحدة من أصعب السنوات التي عرفها الاقتصاد الإسرائيلي على الإطلاق. للمرة الأولى جرى تخفيض التصنيف الائتماني لدولة الاحتلال بأكثر من مستوى، وتدهور الوضع الاقتصادي للأسر والشركات، وأصبح النمو سلبياً، وتضخم عجز الموازنة، وانخفضت الاستثمارات، وهوى قطاع التكنولوجيا الفائقة إلى مستوى عميق.

ويقترب الإسرائيليون كثيراً مما يعرف بـ"العقد الضائع" بعد حرب عام 1973 ضد مصر وسورية، إذ إنه حتى إذا انتهت الحرب الحالية على مختلف الجبهات قريباً باتفاقات تضمن السلام لسنوات قادمة، فإن إسرائيل بحاجة إلى سنوات لإعادة مستوى المعيشة والتصنيف الائتماني إلى الحالة التي كانت عليها قبل الحرب.

في بداية الشهر الثالث عشر من الحرب، تُظهر الأرقام الاقتصادية أن حكومة بنيامين نتنياهو لم تفعل أي شيء تقريباً حتى اليوم لمحاربة الأزمة الحادة. ولم تتحرك لمنع نمو العجز الضخم في ميزانية الدولة، ولم تفعل أي شيء لوقف التباطؤ الاقتصادي، الذي يمكن أن يتجه نحو الركود وقد تدهور بالفعل إلى نمو سلبي لنصيب الفرد، وفق تقرير لصحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية، أمس الاثنين. وأشار التقرير إلى أن إسرائيل تظل وحيدة تقريباً في العالم، حيث يرتفع التضخم ولا ينخفض، ما يجعل خفض أسعار الفائدة بعيد المنال، على الرغم من بدء العالم في خفض الفائدة بالفعل.

إلى جانب الزيادة الكبيرة في النفقات الأمنية والتمويل المستمر لحوالي 80 ألف شخص جرى إجلاؤهم من منازلهم في الشمال والجنوب، والحاجة إلى تعويض الشركات وتمويل الأضرار الجسيمة الناجمة عن إطلاق المقاومة الفلسطينية وحزب الله في لبنان الصواريخ والطائرات بدون طيار، فإن زيادة العجز باتت مؤكدة بما يفوق بكثير توقعات وزارة المالية التي تتحدث عن نسبة تدور حول 6.6% للعام الجاري 4% العام المقبل، كما أن التصنيف الائتماني لإسرائيل قد يتدهور أكثر في 2025، حتى أقل من مستوى بيرو وتايلاند وكازاخستان، الذي انخفضت إليه إسرائيل بالفعل بفعل أضرار الحرب. ويرصد تقرير "يديعوت أحرونوت" ما حدث في مختلف مجالات الاقتصاد في إسرائيل خلال 365 يوماً من الحرب منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023 وحتى اليوم.

عجز منفلت وسط ارتفاع فاتورة الحرب

تتجلى الأزمة الاقتصادية الحادة في إسرائيل، وفق وصف الصحيفة الإسرائيلية، في عجز الموازنة العامة، الذي قفز سريعاً من معدل 1.5% فقط في سبتمبر/أيلول 2023 أي قبل شهر من اندلاع الحرب إلى 8.4% في أغسطس/آب 2024، بما يعادل 168 مليار شيكل (حوالي 45 مليار دولار). ومن المتوقع أن يجبر الارتفاع المستمر في العجز الحكومة على تنفيذ إجراءات صعبة، تتمثل في زيادة الضرائب في موازنة 2025. القفزة في موازنة الإنفاق الحكومي انتقلت بالفعل من نحو 500 مليار شيكل (134 مليار دولار) إلى نحو 600 مليار شيكل (160 مليار دولار) خلال عام الحرب، حيث جرى اختراق موازنة 2024 وتحديثها مرتين إلى 586.5 مليار شيكل، ومن المتوقع تحديث آخر خلال الأسابيع المقبلة.

وفي عام 2024، من المتوقع أن تصل ميزانية الحرب إلى حوالي 7% من الناتج المحلي الإجمالي لإسرائيل، أي ضعف ما كانت عليه في عام 2022 وأعلى بنحو 2% عما كانت عليه في عام 2023 حتى اندلاع الحرب. وبحسب التقديرات، تصل تكلفة الحرب إلى حوالي 300 مليار شيكل (80.4 مليار دولار)، أي نصف ميزانية الدولة السنوية المخططة لعام 2025.

وسبق أن قدر بنك إسرائيل تكلفة الحرب في شهر مايو/أيار الماضي، قبل فترة طويلة من توسعها في جنوب لبنان في الأسابيع الأخيرة، بنحو 250 مليار شيكل (67 مليار دولار). وتتضمن التكلفة نفقات الحرب المباشرة وغير المباشرة، وتمويل استدعاء جنود الاحتياط، والذخيرة، وأضرار الصواريخ، وخسارة ما لا يقل عن 40 مليار شيكل من الضرائب بسبب الأضرار التي طاولت الأنشطة الاقتصادية المختلة. ويقدر اليوم الواحد من القتال حالياً بما لا يقل عن ربع مليار شيكل (67 مليون دولار)، باستثناء تكلفة الذخيرة.

مليار دولار تكلفة يومين فقط من قصف جنوب لبنان

وفي الأسبوع الماضي، خلال العدوان الذي شنه جيش الاحتلال على لبنان، قُدرت تكلفة يومين من القصف وحدهما بنحو 4 مليارات شيكل (1.07 مليار دولار). وتبلغ ميزانية الأمن السنوية المحدثة الآن نحو 99 مليار شيكل، ومن المتوقع زيادتها بقيمة لا تقل عن 20-30 مليار شيكل سنوياً في جميع السنوات القادمة.

ومنذ اندلاع الحرب، حصلت إسرائيل على قروض بنحو 250 مليار شيكل، سواء من مؤسسات محلية أو أجنبية، ليصل إجمالي ديون إسرائيل إلى حوالي 1.3 تريليون شيكل (348.5 مليار دولار)، وسيتعين على أحفاد أحفاد الجيل الحالي دفع هذه الديون.

عجز الموازنة قفز سريعاً من معدل 1.5% فقط في سبتمبر/أيلول 2023 أي قبل شهر من اندلاع الحرب إلى 8.4% في أغسطس/آب 2024

عدم تحرك الحكومة لكبح الإنفاق ساهم في الضغوط المالية، حيث لم تقم، من بين أمور أخرى، بإلغاء أموال الائتلاف (الأحزاب المشكّلة للحكومة)، ولم تغلق المكاتب الحكومية غير الضرورية، ما ساهم في زيادة العجز وديون الدولة، وكان من بين الأسباب العوامل التي أدت إلى خفض التصنيف الائتماني لإسرائيل.

وبالنظر إلى النمو الاقتصادي فإنه كان قد سجل مستويات مرتفعة قبل الحرب عند 3% وكان معقولاً جداً، على الرغم من أن إمكانات النمو في إسرائيل أعلى من 5%، لكن النمو انحسر كثيراً إلى 0.7% في الربع الثاني من 2024، وفقاً لبيانات مكتب الإحصاء المركزي المعدلة التي صدرت في سبتمبر/أيلول الماضي. وانهارت الاستثمارات في الأصول بنسبة 16.9%.

التضخم يرتفع رغم انخفاضه عالمياً

عشية الحرب، بلغ معدل التضخم في إسرائيل 3.3%، وبعد عام أصبح التضخم السنوي الآن 3.6%، ومن المتوقع أن تستمر الزيادة في مؤشر سبتمبر/أيلول، الذي سينشر في 15 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري. وهذا يتناقض تماماً مع الانخفاض المستمر في التضخم في جميع بلدان العالم تقريباً، في حين انخفض في البلدان المتقدمة من الذروة التي بلغت ما بين 9% و12% إلى ما بين 2.5% و3.5%.

وبعد أيام قليلة من تخفيض سعر الفائدة في العديد من البلدان، كما هو الحال بنسبة نصف نقطة مئوية (0.5%) دفعة واحدة في الولايات المتحدة، يؤدي التضخم المرتفع في إسرائيل والعجز الضخم في الميزانية وعدم استجابة الحكومة إلى إبقاء الفائدة عند مستوياتها المرتفعة. وبحسب محافظ بنك إسرائيل (المركزي)، من المستبعد خفض الفائدة حتى منتصف 2025 على الأقل.

أرقام التوظيف المنخفضة تعرّض الاقتصاد للخطر

واليوم، يبلغ معدل البطالة حوالي 3.6% مقارنة بـ3.4% عشية الحرب. ومع ذلك، فإن معدل التوظيف في إسرائيل لا يزال منخفضاً جداً مقارنة بالعالم. وفقاً لبيانات بنك إسرائيل، كان معدل توظيف الأشخاص الذين تبلغ أعمارهم 15 عاماً فما فوق 61.5% فقط في سبتمبر/أيلول 2023، وهو الآن يبلغ 60.9% فقط، وهو مستوى منخفض للغاية، وقد حذرت شركات التصنيف الائتماني من أن أرقام التوظيف المنخفضة هذه، إذا استمرت فإنها ستُعرّض الاقتصاد الإسرائيلي للخطر في السنوات القادمة.

ضربة موجعة لقطاع التكنولوجيا الفائقة

تعاني صناعة التكنولوجيا الفائقة، التي تقود الاقتصاد الإسرائيلي ونموه من أزمة حادة. ووفقاً لبيانات الجمعية الإسرائيلية للصناعات المتقدمة ومعهد الأبحاث والسياسات "رايز إسرائيل"، حيث انخفض عدد المستثمرين الأجانب والإسرائيليين في عام الحرب بنسبة 30% مقارنة بالعام السابق. وتراجعت في التصنيف الدولي لاستخدام الذكاء الاصطناعي من المركز السابع إلى المركز التاسع. وقد واجه حوالي نصف شركات التكنولوجيا الفائقة صعوبة في جمع الأموال خلال. كما أن 45% من شركات التكنولوجيا الفائقة الإسرائيلية تنوي زيادة عدد موظفيها خارج إسرائيل، و50% فقط ستزيد عدد موظفيها في إسرائيل. ويقع المقر الرئيسي لـ 76% من الشركات التي جمعت مبالغ كبيرة في الخارج.

ووفقاً للبيانات الرسمية، انخفض جمع رأس المال لصناديق رأس المال الاستثماري في إسرائيل بنحو 75%، وهو أدنى مستوى خلال العقد الماضي. 47% من استثمارات التكنولوجيا الفائقة في عام الحرب جرى استثمارها في 10 شركات فقط.

السياحة تخسر 5.25 مليارات دولار

تظهر البيانات الرسمية أن قطاع السياحة تكبّد خسارة بلغت 19.5 مليار شيكل (5.25 مليارات دولار) خلال سنة من العدوان على غزة وتداعياته في المنطقة، وفق ما ذكرت صحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية أخيراً.

 

إغلاق 50 ألف شركة

منذ بداية الحرب على غزة، أُغلق حوالي 50 ألف شركة في إسرائيل ككل، خاصة في صناعة البناء والصناعات ذات الصلة، بما في ذلك أعمال السيراميك وتكييف الهواء والألومنيوم ومواد البناء.

تفاقم أزمة نقص الشقق السكنية

الصناعة الأكثر تضرراً بعد صناعة السياحة هي العقارات. غياب حوالي 100 ألف عامل فلسطيني ماهر عن هذه الصناعة، والعمال الأجانب الذين جرى استقدامهم لا يشكلون سوى ربع هذا العدد، ومعظمهم غير محترفين، بحسب رئيس جمعية المقاولين راؤول سارجو، كما تسبب توقف استيراد مواد البناء من تركيا، في أسوأ أزمة عرفتها الصناعة منذ اندلاع الحرب.

نظراً لانخفاض عدد عمليات البدء في البناء، وتردد المقاولين فيما إذا كانوا سيستمرون في بناء مشاريع مختلفة وكيفية الاستمرار فيها، والمزاج الصعب للمشترين المحتملين، يجري تعريف الوضع في الصناعة بأنه خطير للغاية. وبينما كانت أسعار العقارات قد انخفضت قبل الحرب، ارتفعت مرة أخرى بنسبة تصل إلى 5.8%، ويرجع ذلك أساساً إلى تكلفة العمال الجدد، وارتفاع أسعار المواد الأولية، لا سيما مع صعود أسعار صرف اليورو والدولار. وهنا يلقي أيضاً المقاولون اللوم على الحكومة التي لم تتخذ خطوات لتخفيف الأزمة ومساعدة المقاولين. ويستمر عدد سكان إسرائيل في النمو بمعدل حوالي 2% سنوياً، ووفقاً للخبراء فإن أزمة نقص الشقق سوف تتفاقم.

البورصة تتخلف عن المسار العالمي

على الرغم من الحرب، ارتفعت المؤشرات الرئيسية في بورصة تل أبيب بمعدل 13% منذ ليلة رأس السنة في العام الماضي وحتى ليلة رأس السنة هذا العام، إلا أن هذه الزيادة أقل مما هي عليه في العديد من البورصات في العالم، عندما جرى تسجيل أرقام قياسية في الولايات المتحدة هذا العام. وارتفع مؤشر ستاندرد آند بورز 500 بنسبة 27%، ومؤشر داكس الألماني بنسبة 23%، ومؤشر داو جونز بنسبة 21%، ومؤشر نيكاي الياباني بنسبة 20%. وهذا يعني أنه لن يكون من المفيد الاستثمار في بورصة تل أبيب، بل في بعض البورصات بالخارج.

وارتفع مؤشر الخوف في إسرائيل بنسبة 25%، وهو رقم سلبي بالطبع، رغم أن مؤشر الخوف ارتفع بعد اندلاع الحرب مباشرة إلى ذروته بنسبة 100%. وقد خرجت مليارات الشواكل من سوق الأوراق المالية خلال الحرب، سواء من المستثمرين المحليين (حوالي 9 مليارات شيكل) أو من المستثمرين الأجانب (حوالي 7 مليارات شيكل) الذين يخشون الآن الاستثمار في العقارات والشركات في إسرائيل.

تهاوي التصنيف الائتماني وسط توسّع الصراع

وأخيراً، من المستحيل عدم ذكر الرقم الاقتصادي الأكثر صعوبة على الإطلاق. وبسبب الحرب التي سبّبت أضراراً جسيمة للاقتصاد الإسرائيلي بأكمله، والخوف من أن إسرائيل لن تتمكن حتى من سداد جزء من ديونها في المستقبل، خفّضت شركات التصنيف الائتماني مستويات تصنيف إسرائيل. هذا إلى جانب التقارير الجادة التي أعربت فيها عن القلق من توسع الحرب في الشرق الأوسط.

منذ بداية الحرب على غزة، أُغلق حوالي 50 ألف شركة في إسرائيل ككل، خاصة في صناعة البناء والصناعات ذات الصلة، بما في ذلك أعمال السيراميك وتكييف الهواء والألومنيوم ومواد البناء.

عشية الحرب، كانت تصنيفات إسرائيل هي الأعلى على الإطلاق، حيث جرى تصنيفها من جانب بعض الوكالات من بين الدول العشرين الأفضل والأكثر شهرة عالمياً. ثم اندلعت الحرب، وتراجعت وكالات التصنيف في البداية عن خفض التصنيف، ولكن في فبراير/شباط الماضي، حدث أول تخفيض على الإطلاق للتصنيف الائتماني لإسرائيل، إذ خفّضت "موديز" تصنيفها بمستوى واحد، ثم خفّضت التصنيف مجدداً، نهاية سبتمبر/أيلول الماضي، بمستويين آخرين دفعة واحدة إلى "Baa1". كما خفّضت "ستاندرد آند بورز"، أكبر شركة في العالم، تصنيف إسرائيل درجة واحدة لأول مرة في إبريل/ نيسان من هذا العام، ودرجة أخرى إضافية في الأسبوع الماضي إلى "A". وقبل بضعة أسابيع، خفّضت وكالة "فيتش" التصنيف الائتماني لدولة الاحتلال إلى "A" أيضاً. وتشكّل التوقعات السلبية لوكالات التصنيف الائتماني تهديداً بخفض تصنيف إسرائيل مرة أخرى قريباً، إذا اتسعت الحرب أكثر، واستمرت الحكومة في عدم اتخاذ الخطوات اللازمة لخفض عجز الموازنة وتحقيق استقرار الاقتصاد.

إسبرطة الشرق الأوسط

ولا يلوح في الأفق نهاية للصراع الذي تتسع جبهاته. وقال تامير هايمان، رئيس الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية السابق والمدير التنفيذي لمعهد دراسات الأمن القومي في تل أبيب، إنه بدون البحث عن حلول سياسية ودبلوماسية "ستكون حرب لا نهاية لها"، مضيفاً لـ"وول ستريت جورنال" الأميركية، أمس: "بعد غزة، سنذهب إلى لبنان.. بعد لبنان، نذهب إلى الضفة الغربية، وبعد الضفة الغربية، نذهب إلى إيران".

بالنسبة للعديد من الإسرائيليين، فتحَ هذا واقعاً جديداً مرعباً.. وتساءلت الصحيفة الأميركية "هل تصبح إسرائيل إسبرطة الشرق الأوسط؟"، في إشارة إلى مدينة إسبرطة اليونانية القديمة التي سيطرت عليها النزعة العسكرية، وخاضت حروباً طويلة مع جيرانها قبل الميلاد.

وأشارت "وول ستريت جورنال" إلى أن الإسرائيليين اعتادوا على فرص العمل المتنامية التي أتاحتها فترات الهدوء، حيث أصبحت تل أبيب مركزاً عالمياً للتكنولوجيا، مع رواتب عالية، ومشهد مطاعم دولية، وشقق فاخرة في مبانٍ شاهقة الارتفاع، بينما واقع الحرب يرهق الجميع حالياً. وقالت ريفكا سالي باينا، 28 عاماً، أمضت أكثر من 200 يوم في الاحتياط منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، قبل أن يجري استدعاؤها لمدة 20 يوماً أخرى بعد وقت قصير من بدء إسرائيل عدوانها المكثف على جنوب لبنان نهاية الشهر الماضي: "أنا منهكة حقاً، مثل الحذاء الذي ارتديته كثيراً". وأضافت "أفتقد حياتي".

ويقدّر مسؤولو الأمن أن الجيش سيحتاج إلى القتال لمدة عام آخر على الأقل في قطاع غزة، وستحتاج القوات إلى التمركز هناك لسنوات قادمة. وقالت إسرائيل إن توغلها البري في لبنان يستهدف البنية التحتية لحزب الله على طول الحدود، وإن هذا التوغل محدود المدة، ولكن ليس هناك يقين حيال نجاح خططها، وسيكون هناك ضغوط على إسرائيل للبقاء حتى يمكن لعشرات الآلاف من الإسرائيليين العودة إلى منازلهم في الشمال بالقرب من الحدود مع لبنان.

وفي ظل هذا الاستنزاف يزداد الضغط على الاقتصاد. وفي حين يقول المسؤولون وبعض الخبراء إن اقتصاد إسرائيل قوي بما يكفي لامتصاص بعض الصدمات الآن، ومنهم نادين بودوت تراجتنبرج، نائبة محافظ بنك إسرائيل السابقة التي قالت إن لدى الاقتصاد "الكثير من المجال للمناورة"، لكن بالنسبة للإسرائيليين العاديين، فإن الحرب ألحقت بهم بالفعل أضراراً مالية. فقد أمضى أفيشاي بن هاروتش، الذي كان يمتلك مطعماً عصرياً في تل أبيب يقدم المأكولات الباريسية، 220 يوماً من آخر 365 يوماً في الاحتياط. وأدرك بعد وقت قصير من بدء الحرب أنه لا توجد وسيلة له للاحتفاظ بمطعمه مفتوحاً.

عبء الحرب يفرض ضريبة اجتماعية باهظة

أكد بن هاروتش أن عبء الحرب يفرض ضريبة باهظة، موضحاً أنه فقد ستة من أصدقائه، بما في ذلك واحد انفجرت قنبلة على بعد أمتار قليلة منه، وهو يعرف خمسة آخرين انتحروا هذا العام. كما لجأ آخرون يعرفهم إلى المخدرات. وأضاف بن هاروتش، الذي جرى استدعاؤه بعد أيام إلى شمال فلسطين المحتلة للقتال في لبنان مع بدء التوغل البري: "أنا منهك للغاية".

إن الاستراتيجية الإسرائيلية الأكثر تشدداً سوف تصطدم بجمهور إسرائيلي منقسم، وفق "وول ستريت جورنال". فقد تحولت حركة الاحتجاج الجماهيرية ضد خطط نتنياهو لإصلاح القضاء قبل السابع من أكتوبر 2023 إلى حركة تسعى إلى إنهاء الحرب في مقابل إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين. وأشارت إلى أنهم يملأون شوارع تل أبيب كل ليلة سبت، فحقيقة أن أكثر من 100 شخص ما زالوا رهائن محتجزين هي جرح مفتوح في إسرائيل لن يلتئم بسرعة.

كما أن المزيد من الحروب يتطلب المزيد من القوات، ما جعل هناك حاجة ملحة إلى تجنيد اليهود المتشددين دينياً، الذين كانوا لا يؤدون الخدمة العسكرية منذ فترة طويلة، و"زاد من الغضب تجاه شريحة من المجتمع يُنظر إليها على أنها لا تشارك بالتساوي في عبء الدفاع عن البلاد". ورغم حكم المحكمة العليا الأخير بأن الجيش يجب أن يبدأ في تجنيد الرجال المتشددين دينياً، فإن معظمهم يرفضون ذلك ويخرج الكثيرون إلى الشوارع للاحتجاج.

ويعتقد داني أورباتش، المؤرخ العسكري في الجامعة العبرية في القدس المحتلة، أن الاضطرابات الاجتماعية تؤكد مدى الألم الذي يعانيه الناس بسبب ما سببته الحرب. وقال: "عندما ترى أن العالم يتغير من حولك، فإن أول شيء تريد القيام به هو العودة بأسرع ما يمكن إلى عالمك القديم.. عندما ترى أنك لا تستطيع القيام بذلك، فإن هذا يولّد موجات من الغضب واليأس وأعتقد أننا نراها الآن في إسرائيل".

المساهمون