زادت أنشطة شراء العقارات في العاصمة العراقية بغداد وبعض المدن المحررة من تنظيم داعش في شمال البلاد وغربها، لا سيما تلك التي لا تزال تعاني من تهديدات التنظيم من جهة، وسيطرة ونفوذ الفصائل المسلحة والمليشيات من جهة ثانية.
وبرزت هذه الظاهرة من قبل بعض التجار وشركات العقارات التي تشتري الأراضي والعقارات بأثمان أقل من قيمتها الحقيقية، عبر استغلال حاجة أصحابها لتمويل إقامتهم بدول أو مناطق أخرى، أو عدم رغبتهم بالعيش في تلك المناطق لضعف الخدمات وارتباك الأوضاع الأمنية.
وتختلف غايات التجار، بحسب نوع العقار وعمره وسعره، وفقاً لمراقبين، إذ تحوّل كثير منها بعد شرائه بسعرٍ دون قيمته الفعلية في سوق العقارات، إلى مشاريع تجارية، في حين ظلّت عقارات أخرى على حالها، باعتبارها أموالا جاهزة يمكن استغلالها في أي وقت.
لكن أبنية ومنازل كبيرة في بغداد تم شراؤها بأسعار زهيدة كونها تعود إلى "أقليات"، مثل المسيحيين والصابئة المندائيين، باتت مقرات حزبية وأخرى تحوّلت إلى محال تجارية أو مطاعم ومقاه، ناهيك عن استغلالها في عمليات غسل الأموال، بالطريقة التي يشرحها علي شاكر، وهو صاحب مكتب لبيع وشراء العقارات في حي اليرموك ببغداد.
وقال شاكر لـ"العربي الجديد"، إن "تجار الأزمات يمكن تقسيمهم إلى ثلاث فئات: الأولى، ميسورو الحال من أهالي بغداد الذين لا يتورعون عن شراء أي عقار يهبط سعره لأسباب أمنية أو هجرة أهله من العاصمة. والثاني التجار الذين يستولون على العقارات الخربة والمنازل الآيلة للسقوط بأسعار أقل من القيمة الفعلية عبر ضغوط على أصحاب الأملاك. والقسم الثالث هم التجار الذين ظهروا خلال الأعوام الأخيرة، ومعظمهم مرتبطون بأحزاب، لأنهم يستخدمون أسلحة وسيارات وحمايات رسمية من السلطة".
وحسب شاكر، فإن "تجاراً متنفذين، لديهم أموال طائلة، ولأنهم قريبون أو جزء من السلطة، ولا يستطيعون تهريب أموالهم إلى الخارج، كونها مجهولة المصدر، فإنهم يقومون بشراء العقارات نقداً، دون حوالات مالية عبر المصارف أو المكاتب، ومن ثم بيع هذه العقارات بعد أيام لتصبح الأموال قانونية، ويتم تهريبها إلى الخارج، وهذا ما يحصل في معظم المناطق الراقية في جانب الكرخ من العاصمة بغداد".
وأفادت مصادر محلية من حي الدورة ببغداد، بأن "مئات قطع الأراضي في المناطق المحاذية لنهر دجلة، تم الاستحواذ عليها من قبل سياسيين ونواب خلال السنوات الماضية، ورغم أن سعر المتر الواحد يقدر بـ5 ملايين دينار (حوالي 3500 دولار)، إلا أنهم تمكنوا من الحصول عليها بمبالغ شبه مجانية عبر صداقات سياسية".
وأوضحت المصادر، التي رفضت ذكر اسمها، لـ"العربي الجديد"، أن "السياسيين ومقربين منهم من تجار وعناصر حماية، استغلوا علاقاتهم السياسية، كما أنهم يزاحمون المواطنين على الشقق في المشاريع السكنية الاستثمارية، حيث يقومون بشراء الشقق قبل إنجازها بأسعار زهيدة، ثم بيعها بالسعر الطبيعي بعد إنجازها، بهدف الربح، وهم يستغلون حماياتهم الشخصية في ترويع أي أحد يعترض، في ظل أزمة سكن كبيرة يعاني منها العراقيون"
ولا توجد إحصائية رسمية من وزارتي الإعمار والإسكان والتخطيط، عن الاستغلال التجاري للأملاك والعقارات في مختلف المدن العراقية، لكن تقارير صحافية وناشطين عادة ما يكشفون عن عشرات الحالات التي تتم عبر مسؤولين في مليشيات أو مقربين من قادتها، كما حدث في أحياء مدينة الموصل، لا سيما في منطقة سهل نينوى، من قبل مليشيات موالية لإيران، خلال الأعوام الثلاثة الماضية. ونفس الحال ينطبق على محافظتي بابل والأنبار.
من جهته، تحدث النائب السابق في البرلمان العراقي وعضو تيار "الحكمة" محمد اللكاش، عما وصفه بـ"تجار الحروب في المناطق التي وقعت فيها الصراعات"، في إشارة إلى المناطق التي شهدت عمليات عسكرية ضد تنظيم "داعش" في السنوات الماضية. وبيَّن في اتصالٍ مع "العربي الجديد"، أن "الحروب والأزمات عادة ما تخلف المتضرر والمستفيد".
وأكمل اللكاش، أن "من يتصور أن الحكومة والسلطات الأمنية والرقابية لا تعرف شيئاً عن هذه الممارسات والأفعال، فهو يخالف الحقيقة متعمداً، إذ إن السلطات العراقية تعرف كل ما يحدث، لكنها لا تتدخل بسبب ضعفها أمام نفوذ التجار تارة، وأنها تقوم بممارستها وفق شروط ورقية وقانونية لا غبار عليها تارة أخرى". وأكد أن "استغلال ضعف الأهالي خلال أوقات الحروب، وتحديداً في المدن المحررة فاحت رائحته خلال العمليات العسكرية، ولا تزال مستمرة في المناطق التي لم يرجع إليها أهلها، كما يجري في العاصمة بغداد كون عقاراتها هي الأغلى على مستوى العراق، ويُستهدف المستضعفون من أهلها في هذا الجشع من قبل التجار".
أما الخبير العراقي مؤيد الجحيشي، فقد بيَّن أن "معظم المدن المحررة (من داعش) تعاني من سيطرة تجار الحروب، الذين أوجدهم نفوذ المليشيات المسلحة وبعض القوى السياسية، حيث أنها سيطرت على مئات المنازل في مدينة الموصل لوحدها، إضافة إلى أراضٍ واسعة في سهل نينوى، مرة عبر الشراء تحت التهديد بأسعار زهيدة، ومرة في سبيل غسل الأموال، ومرة ثالثة بالاستيلاء عليها بالقوة ومن غير وجه حق".
وأكد لـ"العربي الجديد"، أن "هذا الأمر يحصل في كركوك وديالى أيضاً، دون أي تعليق من المؤسسات الحكومية المختصة بهذا الملف، حتى أن الحكومة عادة ما تنفي الشهادات المحلية، وتقارير المنظمات الدولية والمحلية بهذا الصدد".