السياحة السورية الداخلية لأثرياء النظام فقط: تكاليف باهظة على المواطنين

07 اغسطس 2024
تكاليف مرتفعة يتكبدها السياح المحليون في سورية، شاطئ اللاذقية 4 أكتوبر 2022 (فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- **أهمية قطاع السياحة في سورية**: يشكل مصدراً مهماً للإيرادات المالية، يساهم في توفير فرص العمل وتحفيز النشاط الاقتصادي، لكنه يواجه تحديات بسبب ارتفاع تكاليف الإقامة والنقل.

- **التكاليف المرتفعة وتأثيرها على السياح المحليين**: تجعل السياحة مقتصرة على الفئات الميسورة، حيث تتراوح تكلفة الإقامة لليلة واحدة بين 1.5 إلى 3.5 ملايين ليرة سورية، مما يعزز الفجوة الاجتماعية.

- **إقبال السياح العرب والمغتربين**: شهدت سورية عودة نشطة للسياح العرب والمغتربين، حيث بلغ عدد القادمين 780 ألف شخص حتى نهاية الشهر الخامس، لكن الأرقام الرسمية قد تكون مضللة.

يشكل قطاع السياحة في سورية مصدراً مهماً، وربما الأهم في ظل تدهور القطاعات الإنتاجية الأخرى، بالنسبة للنظام السوري في ظل اقتصاد منهك جراء سنوات الحرب، حيث تساهم نفقات السياح في زيادة الإيرادات المالية، فضلاً عن توفير فرص العمل للكثير من الشبان، وتحفز النشاط الاقتصادي في العديد من القطاعات المرتبطة بالسياحة، مثل السكن والنقل والتسوّق.

وعلى الرغم من الأرقام الرسمية حول ارتفاع عدد السياح القادمين من الخارج، فإن هناك شكاوى من السياح المحليين من ارتفاع مبالغ فيه للأسعار لا يتناسب مع الدخل أو الخدمات المقدمة في الأماكن السياحية. ومع موسم الصيف الحالي، تحدثت مواقع محلية عن ارتفاع تكاليف الإقامة والنقل والحجوزات في المواقع السياحية، إضافة إلى الارتفاع الكبير في أسعار المواد الغذائية ولوازم المصطافين، إذ أوضح موقع الاقتصادي السوري المقرب من النظام أن تكلفة الإقامة لليلة واحدة تتراوح بين 1.5 (نحو 100 دولار) إلى 3.5 ملايين ليرة.

تكاليف مرتفعة لا يتحملها السياح المحليون

يقول المواطن السوري حسن سليمان إن "رحلة إلى اللاذقية لمدة سبعة أيام مع أسرتي المؤلفة من أربعة أشخاص كلّفتني مبلغ 22 مليون ليرة سورية، مع الإقامة في منتجع الشاطئ الأزرق الذي بلغت أجور المنامة لليلة واحدة فيه 1.5 مليون ليرة، وهذا الأجر هو الحد الأدنى بحسب موقع الشاليه والإطلالة والخدمات، بينما بلغ المصروف الوسطي اليومي من طعام وتنقلات وخدمات حوالي 1.5 مليون ليرة أيضاً". 

ويضيف سليمان لـ"العربي الجديد" أن "هذه التكاليف هي الحد الأدنى لما شاهدته خلال هذه الرحلة في مناطق اللاذقية، فهناك أماكن تتضاعف فيها هذه الأسعار، ويختلف فيها حتى الرواد، إذ يلاحظ الغنى الفاحش لدى الكثير من السوريين، وغالبيتهم من التجار الجدد وعائلات الضباط ومسؤولي الصف الثاني في النظام، وفي نفس الوقت هناك أماكن تسمّر "الشعبية" لا يمكنك زيارتها مع الأسرة نتيجة الازدحام الكبير". 

وتنشط الشركات السياحية من معظم المحافظات السورية، مقدمة برامج محددة لزبائنها، تشمل الإقامة في فنادق ومنتجعات ذات تصنيف 3 و4 نجوم بالإضافة إلى التنقلات والرحلات بين المواقع السياحية ضمن محافظتي طرطوس واللاذقية. 

وقال هاشم أبو علي من ريف دمشق، الذي شارك مع أسرته في إحدى هذه الرحلات لمدة ثلاثة أيام، لـ"العربي الجديد"، إن "أجر التسجيل في الرحلة الجماعية 700 ألف ليرة للشخص الواحد، في حين بلغ متوسط المصروف اليومي للشخص 250 ألف ليرة للطعام والشراب، دون أي مشتريات أخرى، وقد بلغت تكلفة الرحلة حوالي 1.5 مليون ليرة لكل فرد من الأسرة خلال ثلاثة أيام، بالرغم من توفيرنا للكثير من الاحتياجات التي حملناها معنا من المنزل". 

ويضيف أبو علي أن "أكثر ما يلفت الانتباه أن السياحة في اللاذقية وطرطوس هي للميسورين نسبياً من أبناء المحافظات السورية الأخرى، أما أبناء المحافظتين وعوائلهم فلا يدخلون معظم هذه الأماكن إلا للعمل إن لم يكونوا من المالكين". 

وفي هذا الصدد، يقول معن تقلا (اسم وهمي) من أبناء منطقة جبلة لـ"العربي الجديد" إن "عدداً كبيراً من المسؤولين وأولادهم استولوا على أهم المناطق السياحية المطلة على البحر، وتركوا الجزء اليسير للسياحة الشعبية في منطقتين محصورتين برأس ابن هاني ورأس البسيط، ويمكن لأي مراقب أن يشاهد الأعداد الكبيرة لسيارات المسؤولين في المنتجعات الفخمة". وأضاف تقلا أن "أبناء الساحل يعانون من بطالة شديدة، وهذا الأمر مدروس ومقصود حتى لا يجد الشبان طريقاً لهم سوى التطوع بالجيش أو إحدى الجهات الأمنية والشرطية"، وفق قوله. 

وأكد أن "الحكومة لو أرادت تشغيل الشباب لكانت استعادت العديد من القطاعات السياحية المُستولى عليها من قبل ضباط كبار ومسؤولين، وأنجزت فيها مشاريع سياحية، تشغل آلاف العاطلين عن العمل، بدلاً من أن يتباهى وزير السياحة بأن تصل نسبة الحجوزات إلى 100% في جميع المنتجعات السياحية"، كما قال.

إقبال عربي على السياحة في سورية 

ووفق الأرقام التي أوردها وزير السياحة أمام مجلس الشعب، في مطلع شهر يونيو/ حزيران الماضي، فقد بلغ عدد القادمين إلى سورية حتى نهاية الشهر الخامس من هذا العام 780 ألف شخص، منهم 704 آلاف عربي و76 ألف أجنبي، وهذا يعني نسبة زيادة بلغت نحو 10% عن الفترة ذاتها من العام الماضي. كما بلغ عدد القادمين للسياحة الدينية 79 ألف زائر، بنسبة زيادة 26% عن العام السابق، وعدد الليالي الفندقية 529 ألف ليلة، بنسبة زيادة 33% عن الفترة نفسها من عام 2023.

وأعلن وزير السياحة لدى النظام السوري محمد رامي مرتيني، السبت الماضي، أن "سورية تشهد هذا العام عودة نشطة من السياح العرب، خاصة من العراق، إضافة الى المغتربين السوريين"، معتبراً أن "ذلك مؤشر على عودة انتعاش قطاع السياحة في سورية". وقال مرتيني خلال جولة له في محافظة اللاذقية على الساحل السوري إن "أرقام السياحة العربية تتطور بازدياد، ولدينا الكثير من التفاؤل بالقدوم العربي، والتفاؤل الأكبر هو قدوم المغترب السوري الذي يسهم بما ينفقه في التنمية ومدفوعات الخزينة وتشغيل اليد العاملة وتشغيل هذه المشاريع".

وكانت بيانات سابقة لوزارة السياحة لدى النظام تحدثت عن تدفق أعداد كبيرة من العراقيين إلى سورية، من غير الزوار الدينيين، الذين يقصدون فنادق وشقق منطقة السيدة زينب قرب دمشق، وكذلك من المغتربين السوريين الذين تتضاعف أعدادهم فترة الأعياد ومواسم الاصطياف، فضلاً عن السياحة العلاجية، وخاصة معالجة الأسنان وعمليات التجميل، للاستفادة من فارق الأسعار مع البلدان المجاورة.

وتستحوذ المناطق السياحية في الساحل السوري خلال هذا الصيف على النسب العظمى من السياح السوريين والعرب، بازدياد عن الأعوام السابقة تراوح بين 50 و60 % لعدد السياح، وخاصة القادمين من الدول العربية، حيث بلغت نسبة الإشغالات في المواقع والمنتجعات الرئيسية بين 80 و100% طوال الفترة الماضية من الصيف بحسب تقديرات مديريات السياحة في اللاذقية وطرطوس. 

 وقال الصحافي الاقتصادي محمد عيد لـ"العربي الجديد" إن "الأرقام التي تُعلن عنها وزارة السياحة لدى النظام بشأن حركة السياحة في البلاد، لا يمكن التحقق منها، لكن كثيراً ما يتم دمج زيارات المغتربين السوريين في الخارج، وخاصة في بلدان الخليج وأوروبا، في أرقام السياح الأجانب بالنسبة لحاملي الجنسيات الأجنبية، ثم يعاد احتسابهم كمغتربين سوريين، وهو ما يعطي أرقاماً غير حقيقية لعدد السياح". 

وأضاف عيد أن "المحرك الأساسي لهذا القطاع هم المواطنون السوريون في الخارج الذين يزورون بلدهم في الصيف أو الأعياد، بينما فقدت السياحة في سورية الكثير من مقوماتها، وهي التي كانت تعاني أصلاً من مشكلات كثيرة حتى قبل عام 2011". وأوضح أن "أهم تلك المقومات السياحة الثقافية وزيارة الأماكن الأثرية والتاريخية، والتي شطب معظمها من جدول السياح بسبب تضررها خلال الحرب، أو صعوبة وخطورة الوصول إلى ما تبقى منها، مثل آثار تدمر حيث ينتشر تنظيم داعش في البادية السورية، وآثار درعا حيث تعاني المحافظة من اضطرابات أمنية مزمنة".

ولفت إلى أن "ما يحرك قطاع السياحة فعلياً اليوم هم أثرياء الحرب وأبناء المسؤولين، بينما المواطنون العاديون لا يملكون قوت يومهم، وبات القيام برحلة سياحية ضرباً من الخيال بالنسبة لمعظم السوريين". 

(الدولار= 14800 ليرة سورية تقريباً)