الحكومة الإيرانية تحل أزمة كهرباء البيوت على حساب المصانع

26 يوليو 2021
شهدت المناطق الإيرانية انقطاعات في الكهرباء (مورتيز نيكوبازي/ Getty)
+ الخط -

بدأت أزمة الكهرباء في إيران منذ نحو شهرين تقريباً على شكل انقطاعات مستمرة ومتكررة للتيار الكهربائي في المدن والقرى، ما شكل عامل ضغط نفسي آخر على المواطن الذي يعاني منذ أربع سنوات تقريبا من أزمة اقتصادية على خلفية العقوبات الأميركية. وحسب التقارير الرسمية، مُدت الكهرباء إلى جميع القرى الإيرانية باستثناء 625 قرية، وعدت الحكومة مطلع العام الحالي وصلها بالشبكة حتى نهاية عمرها، يوم الثالث من الشهر المقبل.

واتسعت رقعة أزمة الكهرباء مع زيادة الهوة بين الطاقة الإنتاجية المقدرة 54 ألف ميغاوات وبين الاستهلاك الذي اقترب من 65 ألف ميغاوات في بعض الأيام، أي أن الفارق بين الإنتاج والاستهلاك وصل إلى 11 ألف ميغاوات، ووفق مراقبين فإنه ليس من السهل ردم هذا العجز.

وتسببت الانقطاعات اليومية المتكررة للكهرباء على مدى شهرين تقريباً بحالة احتقان داخلي في الشارع الإيراني وانتقادات متصاعدة ضد الحكومة، وصلت في مدن إلى إطلاق تجمعات احتجاجية. دفع ذلك السلطات الإيرانية إلى مراجعة الوضع واتخاذ قرار في المجلس الأعلى للأمن القومي لتوجيه الضغط الناتج عن عجز الكهرباء نحو قطاع الصناعات للتخفيف عن كهرباء المنازل.

وعليه فمنذ أسبوعين تقريبا، انخفض الضغط الكهربائي على المواطنين. ويقول المدير التنفيذي لشركة الكهرباء الوطنية، محمد حسن متولي زادة، إن المجلس قرر خفض استهلاك الكهرباء في الصناعات ما عدا الصناعات الغذائية، خاصة الصناعات المستهلكة كثيرا للطاقة الكهربائية مثل الفولاذ.

وعلى الرغم من حديث الحكومة عن انتهاء انقطاعات الكهرباء حتى مطلع الشهر الإيراني الحالي الذي بدأ الجمعة الماضي، لكن الخبراء يرون أن الأزمة ستستمر لفترة أطول، بسبب عدم قدرة البلاد على رفع طاقتها الإنتاجية الكهربائية ووسط عمل محطاتها الكهربائية بالحد الأقصى من طاقاتها وعدم إمكانية زيادة عدد المحطات في وقت قريب.

كما أن توجيه عجز الكهرباء إلى الصناعات الإيرانية، فاقم الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد، إذ أن خفض كهرباء هذه الصناعات، أدى إلى تراجع الإنتاج، وهو ما أدى إلى رفع أسعار عدد من السلع. على سبيل المثال، كانت مصانع إنتاج الإسمنت والحديد والفولاذ من الصناعات التي شملها قطع الكهرباء، ما نتج عن ذلك شح مواد البناء في الأسواق الإيرانية من الإسمنت والحديد وارتفاع أسعارها ما بين 100 إلى 200 في المائة.

وفي السياق، ذكرت وكالة "إيسنا" الإيرانية، يوم 18 الشهر الماضي، أنه بعد خفض استهلاك الكهرباء في المصانع بنسبة 90 في المائة، وصل سعر علبة الإسمنت من 44 ألف تومان إلى 70 ألف تومان في بعض المدن وحتى إلى 100 ألف تومان في بعض المحال. علما أن سعر صرف كل دولار أميركي في السوق الحر بإيران يساوي 24 ألف تومان.

غير أن المتحدث باسم صناعة الكهرباء الإيرانية، مصطفى رجبي مشهدي، قال للتلفزيون الإيراني، يوم السبت، إن صناعات الإسمنت عادت إلى إنتاجها الطبيعي منذ يومين، مشيرا إلى أن الكهرباء لم تنقطع عنها، بل انخفضت. وتحدث نائب وزير الصناعات والتجارة لشؤون التخطيط والبرامج، سعيد زرندي، للوكالة عن اضطرار المصانع إلى تغيير ساعات العمل وفترات دوام العاملين فيها.

وأضاف أنه "تقرر ألا تنقطع الكهرباء عن المدن الصناعية، لكن التقارير الواصلة من أنحاء البلاد تكشف عن قطع الطاقة عن بعض هذه المدن الصناعية ما تسبب بمشاكل كثيرة".

ولفت إلى أن إجمالي انقطاع الكهرباء عن المدن الصناعية بلغ ألفي ساعة خلال الأسبوع الماضي بمعدل ثلاث ساعات يوميا، مضيفا أن تعطيل مصانع إنتاج الفولاذ أخل بالتوازن في السوق وأحدث مشاكل للصناعات المرتبطة. وتوقع المتحدث باسم صناعة الكهرباء الإيرانية، مصطفى رجبي مشهدي، عودة انقطاعات الكهرباء عن البيوت خلال هذا الأسبوع مع ارتفاع درجات الحرارة، قائلا إن "أياما صعبة للغاية ستأتي".

وكانت الحكومة الإيرانية قد وجهت أصابع الاتهام في أزمة الكهرباء إلى عمليات تعدين علمة "بيتكوين" الرقمية التي تستهلك كميات هائلة من الطاقة، وتراجع هطول الأمطار وشح مياه السدود وعليه تراجع إنتاج الكهرباء منها، وارتفاع درجات الحرارة في البلاد مع حلول الصيف وصلت في بعض المدن الجنوبية إلى أكثر من 50 درجة مئوية.

فيما عزا مراقبون الأزمة أيضا إلى تهالك محطات الكهرباء وعدم تحديثها وعدم زيادة القدرة الإنتاجية الكهربائية في البلاد خلال السنوات الأخيرة.

وفي السياق، دعا الرئيس الإيراني في كلمته باجتماع للحكومة الإيرانية، يوم السابع من الشهر الماضي، إلى البحث عن أسباب نقص الكهرباء، منتقدا تحميل حكومته المسؤولية، وعازياً الأزمة إلى شح الموارد المالية الذي أدى إلى تراجع الاستثمارات في هذا المجال بسبب العقوبات الأميركية. 

وأشار روحاني إلى وجود مشاريع عملاقة مدروسة بحاجة إلى 200 إلى 300 مليار دولار للاستثمار فيها في مختلف المجالات البنيوية "لكن تنفيذها يواجه مشاكل بسبب انعدام الموارد الاستثمارية"، محملا الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، مسؤولية أزمة الكهرباء، وذلك من خلال قوله إنّ حكومته كانت قد أعدت خلال السنوات الماضية مشاريع مائية وكهربائية وخصصت 4.5 مليارات دولار لها "لكن انسحب ترامب من الاتفاق النووي وفرض العقوبات وتوقفت هذه المشاريع". 

واستبعد رئيس غرفة التجارة بمحافظة فارس الإيرانية، جمال رزاقي، الإثنين الماضي، حل معضلة الكهرباء خلال فترة قصيرة، متوقعا أن تستمر ما لا يقل عن ثلاث أو أربع سنوات.  

المساهمون