الحرب تشعل أسعار المعادن وتعقد صناعة السيارات

18 مارس 2022
مصنع سيارات "فولكسفاغن" في البرتغال (Getty)
+ الخط -

خطف ارتفاع أسعار الحبوب الغذائية والزيوت النباتية، الأضواء، مع اندلاع الغزو الروسي للأراضي الأوكرانية، خاصة في ظل اعتماد الكثير من الدول حول العالم على استيراد هذه السلع الاستراتيجية، وتصدير البلدين المتحاربين كميات تقترب من ثلث صادرات حبوب العالم، حيث تعد روسيا أكبر مصدّر للقمح في العالم، فيما تحتلّ أوكرانيا المرتبة الخامسة، كما يوفران معًا نحو 19 في المائة من إمدادات الشعير في العالم و14 في المائة من إمدادات القمح و4 في المائة من إمدادات الذرة. 

كما ركزت التقارير الإعلامية حول العالم على الارتفاعات الحادة في أسعار الزيوت النباتية والناجمة عن الحرب، والتي أكدت أن أوكرانيا تعدّ أكبر منتج لزيت عباد الشمس في العالم، تليها روسيا. وتُصدّر أوكرانيا 49.9% من صادرات الزيت عالميا، فقد أنتجت وحدها 5.9 ملايين طن متري من الزيت النباتي في عامي 2020 و2021، في حين أنتجت روسيا حوالي 5.1 ملايين طن متري من الزيت. 

ورغم الارتفاعات الحادة لأسعار بعض المعادن، إلا أنها لم تحظ بنفس القدر من الاهتمام الإعلامي مقارنة بالحبوب والزيوت، ربما لاتساع دائرة المتضررين حول العالم، بالإضافة إلى أن اختلال الإمدادات قد يتسبب في اضطرابات اجتماعية واسعة في الدول المستوردة لتلك السلع. 

في المقابل، فان المتضررين من ارتفاع أسعار المعادن هي الشركات والمصانع والمتعاملون في البورصات، ومجموعهم، ولا شك، أقل عددا من الفئة الأولي، ولكنهم مع ذلك لهم التأثير الكبير على الاقتصادات العالمية، لا سيما في تشغيلهم لأعداد كبيرة من العمال، وفي مقدمتهم صناعة السيارات. 

الحرب تشعل أسعار المعادن عالمياً  

أججت الحرب أسعار المعادن حول العالم، حيث ارتفعت أسعار الألومنيوم والنحاس عالميا إلى مستويات قياسية، حيث بلغ سعر طن الألمنيوم للتسليم في ثلاثة أشهر ذروته عند 4026.50 دولارا في سوق المعادن الأساسية في لندن (بورصة لندن للمعادن)، مع نهاية الأسبوع الأول من مارس الجاري، بينما سجل النحاس أعلى مستوى له على الإطلاق، حيث بلغ سعر طن النحاس 10845 دولارًا. 

ورغم أن روسيا وأوكرانيا من أكبر منتجي الصلب في العالم، بإنتاج سنوي يصل إلى 71 مليون طن و21 مليون طن على التوالي، فإن الزيادة على أسعار الحديد كانت معقولة إلى حد كبير. ورغم ذلك، فإن توقف العمل ببعض المصانع أو تعطل حركة الشحن في موانئ البلدين لفترة أطول، سيؤثر بالتأكيد على الإمدادات في أسواق الحديد العالمية، الأمر الذي سينعكس صعودا على مستويات الأسعار. 

كما قفز سعر النيكل إلى 100 ألف دولار للطن، للمرة الأولي على الإطلاق، وبنسبة ارتفاع تخطت 250% في يومين فقط، وجاء هذا الارتفاع الكبير جراء تحكّم روسيا بحوالي 9% من إمدادات النيكل العالمي، وامتلاكها ما يقرب من ثلث خام كبريتيد النيكل في العالم، وتعدّ شركة نورنيكل الروسية أكبر منتج للنيكل المكرر في العالم. 

ولبيان مدى هذه القفزة السعرية المخيفة، تكفي الإشارة إلى أن المستوى السعري القياسي للنيكل جاء عام 2007 كان بما لا يتجاوز 54 ألف دولار بقليل، وأن سعر المعدن المستخدم في صناعة البطارية والاستانلس ستيل واستخدامات أخرى، لم يكن يتخطى 25 ألف دولار للطن قبل شهر واحد. 

وكذلك قفز سعر البلاديوم 8.7 في المائة إلى 3263.25 دولارا للأوقية، ليسجل أقوى ارتفاع في يوم واحد منذ مارس/آذار 2020. وتنتج روسيا 40 في المائة من الإنتاج العالمي من المعدن المستخدم في صناعة السيارات. 

ويعلل المحللون أسباب هذه القفزات الكبرى في أسعار المعادن بعمليات المضاربة المكثفة للغاية التي تشهدها بورصات المعادن حول العالم، والتي تتأكد من تعدد القيعان والقمم في فترات قصيرة للغاية (مع اتجاه صعودي عام بالطبع)، فضلا عن المبيعات التي تتم قبيل نهاية اليوم أو الجلسات مع الوصول إلى مستويات أسعار قياسية يستغلها المتعاملون للبيع وجني المكاسب. 

وكشفت تقارير بريطانية عن قيام المستثمرين الصغار بالشراء في شركات التعدين الروسية التي لا يزال بعضها مُدرَجًا في بورصة لندن، في ظل مراهناتهم على استمرار ارتفاع أسعار المعادن وعدم وقف تصديرها من موسكو، مما تسبب في ارتفاع بعض تلك الأسهم بنسبة تجاوزت 60%. 

ارتفاع الأسعار يعقد أزمة صناعة السيارات 

لم يكد قطاع صناعة السيارات العالمي يتعافى نسبيا من تداعيات أزمة كورونا، حتى لاحقته الحرب على أوكرانيا، والتي زادت من مخاطر الإمداد التي باتت تواجه بالفعل نقصاً حاداً، في ظل تراجع مخزونات المواد الخام المعدنية المستخدمة في الصناعة وارتفاع أسعارها، الأمر الذي يفاقم مشكلات العرض والطلب ويسارع أرقام التضخم في جميع أنحاء الأرض. 

فعلى سبيل المثال وقبيل الحرب، كان الطلب على الليثيوم، وهو المادة الخام الرئيسية في صناعة البطاريات، يتجاوز العرض بنسبة 6% للعام الحالي، بسبب النمو في مبيعات السيارات الكهربائية في العام الماضي، الأمر الذي تسبب في ارتفاع أسعار كربونات الليثيوم اللازمة للاستخدام في البطاريات بنسبة تزيد عن 400% لتصل إلى أكثر من 50 ألف دولار للطن.

ولنا أن نتخيل حال هذه الصناعة في أعقاب الزيادات الضخمة في أسعار النيكل والألمونيوم والبلاديوم، وكلها مواد أساسية لهذه الصناعة. 

ولذلك، كان من المنطقي أن يتحول الحديث حول مدى ترجيح أن تقع الزيادة في التكاليف على عاتق المستهلكين من عدمه، في ظل معاناة قطاع السيارات بالفعل من نقص أشباه الموصلات واضطرابات سلسلة التوريد وارتفاع تكاليف الطاقة، وكلها تكاليف تنتقل تلقائيا إلى المستهلك، وإلى الحديث عن تعطيل طموحات السيارات الكهربائية حول العالم، باعتبار النيكل والبلاديوم عنصرين أساسيين في بطاريات تلك المركبات. 

لا شك في أن ارتفاع أسعار الخامات المعدنية يزيد من ضغوط التكلفة على الصناعات المختلفة، في الوقت الذي يعاني فيه العالم مستويات مرتفعة للغاية من معدلات التضخم، الأمر الذي يعني صعوبة نقل نسبة من تلك الضغوط إلى المستهلك، وهو ما يؤدي إلى تخفيض أرباح تلك الشركات، وربما يعود بها مرة أخرى إلى حالة الخسارة التي لم تتلاش كليا في أعقاب كورونا. 

في العام الماضي، ارتفع متوسط تكلفة السيارة الجديدة بنسبة 13%، ويمكن لمتسوقي السيارات هذا العام توقّع ارتفاع أسعار السيارات الجديدة بنسبة تتراوح ما بين 10% و20%، وربما أكثر من ذلك، في ظل تصاعد محموم لأسعار الخامات المعدنية الرئيسية، وربما نسمع قريبا عن توقف إنتاج بعض المصانع، كنتيجة لنقص الخامات، كما يحدث بالفعل جراء نقص أشباه الموصلات. 

المساهمون