الاقتصاد المصري يئن تحت وطأة الدولار.. فقر وتضخم

25 سبتمبر 2022
لم يعد هناك تطبيق لشعارات الخبز مقابل الحرية منذ مدة طويلة (Getty)
+ الخط -

اضطر أصحاب متاجر ملابس شتوية مخزنة من الموسم الماضي إلى بيعها خلال فصل الصيف الذي انتهى منذ يومين، بينما افتقرت محال ومراكز الصيانة في أنحاء البلاد إلى قطع الغيار. وهناك قوائم انتظار طويلة أمام أي شخص يريد شراء سيارة جديدة.

في مصر، البلد الذي يزيد عدد سكانه عن 103 ملايين نسمة، تنفد العملات الأجنبية اللازمة لشراء الضروريات كالحبوب والوقود. ومن أجل الاحتفاظ بالدولار، ضيقت الحكومة الخناق على الواردات، وهو ما يعني قلة عدد السيارات الجديدة، والملابس أيضا.

يعيش قرابة ثلث المصريين في براثن الفقر، ويعاني الملايين من ظروف معيشية سيئة، وتتجاوز صعوبة المشكلات الاقتصادية شراء ملابس في غير موسمها إلى صعوبة توفير الطعام على الموائد.

بعد عقد من الاحتجاجات والاضطرابات السياسية التي هزت أكبر دولة في الشرق الأوسط من حيث عدد السكان، لا يزال الاقتصاد متدهورا، ويتلقى ضربات جديدة.

تقول فاطمة، عاملة نظافة من سكان القاهرة، 32 عاما، إن عائلتها توقفت عن شراء اللحوم الحمراء منذ خمسة أشهر، كما أصبح شراء الدجاج رفاهية، فهي تقترض من أقاربها من أجل تغطية نفقاتها.

وذكرت فاطمة أنها تشعر بالقلق من تأثير ارتفاع الأسعار على النسيج الاجتماعي في مصر.

وقد طلبت عدم الكشف عن هويتها إلا باسمها الأول خشية التعرض للانتقام، فهي تخشى أن تزداد معدلات الجريمة والسرقة، بسبب عدم امتلاك الناس ما يكفي من المال لإطعام أنفسهم.

اعتمد معظم المصريين لعقود على الحكومة لتكون السلع الأساسية في متناول الجميع، لكن هذا العقد الاجتماعي يتعرض لضغوط بسبب تأثير الحرب الروسية في أوكرانيا.

سعت مصر للحصول على قروض لسداد قيمة واردات الحبوب من الخبز المدعوم من الدولة، كما تتصارع مع ارتفاع أسعار المستهلكين مع انخفاض قيمة العملة.

أثار تهديد انعدام الأمن الغذائي في أكبر مستورد للقمح في العالم، والذي يأتي 80% منه من منطقة البحر الأسود التي مزقتها الحرب، مخاوف كبيرة.

يقول تيموثي كالداس، الخبير الاقتصادي في معهد التحرير لسياسة الشرق الأوسط: "لم يعد هناك تطبيق لشعارات مثل (الخبز مقابل الحرية) منذ مدة طويلة".

ارتفع معدل التضخم السنوي في البلاد إلى 15.3% في أغسطس/آب، مقارنة بما يزيد قليلا عن 6% في الشهر نفسه من العام الماضي.

سجل الجنيه المصري مستوى قياسيا من الانخفاض مقابل ارتفاع الدولار، حيث بلغت قيمة الدولار الواحد 19.5 جنيها.

أدى ذلك إلى اتساع العجز التجاري وعجز الموازنة مع انخفاض الاحتياطيات الأجنبية اللازمة لشراء الحبوب والوقود بنحو 10% في مارس/آذار الماضي، بعد فترة وجيزة من الغزو الروسي الذي أدى إلى ارتفاع أسعار السلع الأساسية وسحب المستثمرين مليارات الدولارات من مصر. 

خيارات محدودة 

تمتلك مصر خيارات قليلة للتعامل مع الثغرة في مواردها المالية، فكما هي الحال في الأزمات السابقة، سعت القاهرة إلى حلفاء في منطقة الخليج وصندوق النقد الدولي لإنقاذها.

اقتصاد الناس
التحديثات الحية

من شأن قرض جديد من صندوق النقد أن يدعم الاحتياطيات الأجنبية المتضائلة في مصر، والتي هبطت إلى 33 مليار دولار بعد أن كانت 41 ملياراً في فبراير/شباط.

مع ذلك، سيزيد أي قرض جديد الدين الخارجي المتضخم لمصر، الذي قفز من 37 مليار دولار في 2010 إلى 158 ملياراً نهاية مارس/آذار الماضي، وفقا لأرقام البنك المركزي المصري.

ويقول النظام إن أسباب الوضع الحالي تتمثل في جائحة فيروس كورونا التي أضرت بصناعة السياحة الحيوية، وارتفاع الأسعار التي أحدثتها الحرب في أوكرانيا، كما يلوم ثورة المصريين.

وقال الرئيس عبد الفتاح السيسي، في تصريحات متلفزة أوائل الشهر الحالي، إن "ما حدث في 2011 و2013 كان له تأثير مدمر على الاقتصاد المصري"، وأضاف موجها سؤالا للمصريين: "لماذا لا تريدون دفع تكلفة ما فعلتموه في 2011 و2013؟".

كان يشير إلى الثورة التي أطاحت بالرئيس السابق حسني مبارك، ثم وصول جماعة الإخوان المسلمين إلى السلطة لمدة عام، أعقبها انقلاب الجيش.

وقال السيسي إن تداعيات تلك السنوات كلفت مصر 450 مليار دولار، وهو "ثمن يجب على الجميع تحمّله"، على حد قوله، مضيفا أنه "طالما اتخذتم إجراء (في إشارة للاحتجاجات)، يجب أن نتحمله جميعا. أقول لكل المصريين: سندفع تكلفة ما حدث سويا". 

إنفاق ببذخ 

مع ذلك، يقول منتقدون إن الحكومة أهدرت فرصا لإجراء إصلاحات حقيقية، وتفرط في الإنفاق على مشروعات ضخمة زائدة عن الحاجة، ومن بينها العاصمة الإدارية الجديدة، حيث روجت الحكومة لهذه العاصمة باعتبارها سببا لخلق وظائف ومحركا للاقتصاد.

يقول حسنين مالك، رئيس أبحاث الأسهم في شركة (تليمر) لتحليل الاستثمار في الأسواق الناشئة، إن سيطرة الدولة على الاقتصاد والدور الضخم للمؤسسات المرتبطة بالجيش أديا إلى "مزاحمة المستثمرين الأجانب والقطاع الخاص". ويضيف: "خطط الحكومة لبيع حصص في بعض الشركات المملوكة للدولة لا تؤدي بالضرورة إلى حل هذه المشكلة".

أخذت الحكومة قرضا بقيمة 500 مليون دولار من البنك الدولي هذا الصيف، و221 مليون دولار من بنك التنمية الأفريقي للمساعدة في شراء القمح، ويغطي ذلك حوالي ستة أسابيع من برنامج الخبز لدعم 70 مليون مصري من ذوي الدخل المنخفض.

وجددت الحكومة المصرية اتفاقية لمبادلة العملة مع الصين بقيمة 2.8 مليار دولار، وتدخلت السعودية والإمارات وقطر بتعهدات بقيمة 22 مليار دولار في شكل ودائع واستثمارات قصيرة الأجل.

برامج حماية اجتماعية لا توقف الهروب الكبير 

وأعلنت الحكومة عن إطلاق "برنامج حماية اجتماعية استثنائي" هذا الشهر، يستهدف تسعة ملايين أسرة بتحويلات نقدية ممتدة، وطعام.

ويأتي هذا على رأس برامج مساعدة أخرى، من بينها أكشاك منبثقة تبيع مواد غذائية أساسية مدعومة.

ويشير المسؤولون إلى كيفية إدارتهم لأزمة الإمدادات الناجمة عن جائحة فيروس كورونا والحرب في أوكرانيا، قائلين إن هناك قمحا ومواد غذائية أساسية أخرى تكفي لستة أشهر.

وبالنسبة للبعض، يكمن الأمل في مغادرة البلاد، حيث يأتي المصريون بعد الأفغان ضمن أكثر الجنسيات "للوافدين غير النظاميين" إلى أوروبا حتى الآن هذا العام، وفقا للمنظمة الدولية للهجرة، والتي تقول إن معظمهم يصل عن طريق البحر. ومع تصاعد الضغط على الجنيه المصري، قد تخفض الحكومة قيمة العملة مرة أخرى.

يقول كالداس، الخبير الاقتصادي في معهد التحرير: "الوضع سيصير مؤلما، حيث سيؤدي إلى زيادة التضخم. دعم الخبز ليس سوى بند واحد في ميزانية الأسرة المصرية. لذلك، سيمثل هذا الوضع الكثير من الألم لعدد هائل من العائلات".

(أسوشييتد برس)

المساهمون