اقتراض جماعي في مصر لتأمين إمدادات الغاز... تدوير حكومي للديون

06 يناير 2025
البنك المركزي المصري، 8 يناير 2023 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- لجأت الحكومة المصرية إلى تدوير الديون المتراكمة على الجهات الحكومية لصالح شركات البترول، حيث سمح مجلس الوزراء للشركات العامة بالحصول على قروض عاجلة لسداد المستحقات وضمان تدفق الغاز.
- تقدر مستحقات الشركاء الأجانب بنحو مليار دولار، وحصلت الحكومة على قرض بقيمة 20 مليار جنيه لمساعدة قطاع الكهرباء، كما وافقت على اقتراض شركة بتروتريد ثمانية مليارات جنيه لشراء الغاز المسال.
- تأتي هذه الإجراءات وسط تحذيرات من تزايد الدين العام وتأثيره السلبي على الاقتصاد، مع اقتراح إنشاء مجلس اقتصادي برئاسة الجمهورية لوضع رؤى مختلفة للأزمة.

لجأت الحكومة المصرية إلى "تدوير الديون المتراكمة" على الجهات الحكومية لصالح شركات البترول، لإنقاذ هذه الشركات من أزمة سيولة خانقة تهدد قدرتها على ضمان استمرار تدفق الغاز ومنتجات البترول للمستهلكين.

وسمح مجلس الوزراء للشركات العامة التابعة لوزارة البترول بالحصول على قروض عاجلة وقصيرة الأجل من البنوك المحلية، بالجنيه والدولار، بالتوازي مع تدبير قروض أخرى لصالح الشركات التابعة لوزارة الكهرباء، والشركات العامة المدينة لقطاع البترول، توظف في سداد المستحقات المتراكمة لصالح شركات البترول.

ودفعت أزمة الديون المتراكمة لصالح قطاع البترول الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى عقد اجتماع، السبت الماضي، مع رئيس مجلس الوزراء مصطفى مدبولي، حضره محافظ البنك المركزي حسن عبد الله ووزير المالية أحمد كوجك ووزير البترول كريم بدوي، لبحث سبل سداد الجهات الحكومية والعامة لشركات البترول والغاز، بما يضمن لها القدرة على سداد مستحقات الشركاء الأجانب المتعاقدين على إنتاج البترول والغاز، والديون المستحقة عن القروض بالعملة المحلية والصعبة المتراكمة على مدار السنوات الماضية، وتدبير العملة الصعبة لشراء نحو 52 شحنة من الغاز المسال خلال عام 2025، لمواجهة تراجع إنتاج الغاز الطبيعي محلياً، والحيلولة دون تعرض البلاد لحالة انقطاعات جديدة للتيار الكهربائي.

تقدر وزارة البترول مستحقات الشركاء الأجانب بنحو مليار دولار، بعد سداد مليارين و24 مليون دولار في نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، بينما تبلغ قيمة مستحقاتها لدى قطاع الكهرباء بنحو 300 مليار جنيه (حوالي 5.9 مليارات دولار). في حين قال مسئول حكومي يوم 31 ديسمبر الماضي، إن صافي مديونيات شركات البترول الأجنبية لدى الهيئة العامة للبترول بلغت 5 مليارات دولار بنهاية 2024.

وحصلت الحكومة على قرض بقيمة 20 مليار جنيه (392.9 مليون دولار) من البنوك العامة والمحلية، لصالح الشركة القابضة لكهرباء مصر، خلال الربع الأخير من 2024، لمساعدتها على سداد جزء من الديون المتراكمة لصالح هيئة البترول، والتي ارتفعت إلى 300 مليار جنيه بنهاية 2024، بزيادة تصل إلى 100 مليار جنيه، خلال العام، متأثرة بزيادة أسعار الغاز والنفط والمنتجات البترولية الموجهة لمحطات التوليد وتوزيع الكهرباء.

كذلك، وافقت الحكومة للهيئة العامة للبترول على اقتراض شركة الخدمات البترولية "بتروتريد" التابعة للشركة القابضة للغاز بوزارة البترول، أكبر دائن لقطاع الكهرباء، ثمانية مليارات جنيه، لاستخدامها في شراء الغاز المسال من الأسواق الدولية. ويتولى بنك مصر الحكومي تأمين القرض لصالح بتروتريد الحكومية، بالتعاون مع بنوك القاهرة والعربي الأفريقي الدولي وقطر الوطني الأهلي. ويتضمن الاتفاق توفير البنوك ما تحتاجه شركة الخدمات البترولية من عملة صعبة لشراء النفط والغاز من الخارج لصالح الهيئة العامة للبترول، مع التزامها بسداد القرض من إيرادات الشركة خلال عام.

تأتي ظاهرة تدوير الديون الحكومية وسط تحذير واسع من قبل اقتصاديين من تزايد حجم الدين العام الداخلي والخارجي، بقفزات سريعة، متأثراً بتراجع الصادرات البترولية والصناعية، وعوائد قناة السويس، واستخدام القروض في مشروعات بنية أساسية وتجمعات سكنية، غير منتجة ولن تحتاجها الدولة لسنوات قادمة.

وأشارت مصادر برلمانية إلى فشل الحكومة في إنهاء أزمة الديون الحكومية عبر مقاصة تجريها وزارة المالية بين الهيئات العامة والشركات التابعة لها، والتي حاولت إجراءها خلال الأعوام الماضية، بعد تدخل لجان المراجعة في صندوق النقد الدولي للموازنة العامة، وطلبها سداد الديون العامة عبر مصادر دخل حقيقية.

وقالت الخبيرة الاقتصادية وعضو مجلس الشورى الأسبق يمن الحماقي إن لجوء الحكومة إلى اقتراض الأموال من الخارج والبنوك المحلية يزيد من عمق الأزمة الاقتصادية الناتجة عن عدم وجود رؤية اقتصادية واضحة، بما حجب استثمار مدخرات البنوك في مشروعات استثمارية تساهم في رفع معدلات التنمية، مشيرة إلى تفضيل البنوك توجيه نحو ستة تريليونات جنيه عام 2024، من قيمة ودائع بلغت عشرة تريليونات جنيه، لشراء سندات الخزانة.

أضافت الحماقي أن دوران مدخرات المواطنين بهذه الطريقة، من دون إنتاج، تقابله زيادة معدلات التضخم ولا تدفع للإنتاج، محذرة من تسبب زيادة الديون الحكومية وتوظيف أموال المودعين في إقراض الهيئات العامة وشراء أذون الخزانة (أدوات دين حكومية)، في زيادة الضغط على الجنيه، وارتفاع معدلات التضخم، بما يدفع الحكومة إلى التوجه نحو نفس المسار الذي اتبعته خلال السنوات الماضية، بتعويم الجنيه، الذي أوصل البلاد إلى الدوران في حلقة مفرغة، أدت إلى تراجع معدلات التنمية وزيادة معدلات الفقر، التي سقط فيها نحو ثلثي تعداد السكان.

واقترح وزير المالية الأسبق سمير رضوان، في لقاء حضرته "العربي الجديد" في النقابة العامة للتجاريين أخيراً، إنشاء مجلس اقتصادي برئاسة الجمهورية، يتكفل بوضع رؤى مختلفة لأزمة مصر من المخاطر الاقتصادية التي تحيط بها، بدلاً من البحث عن حلول وقتية عبر تدوير القروض وإقامة مشروعات لا حاجة للمجتمع بها، أو يستفيد منها عدد من الأشخاص.

وسجل البنك المركزي ارتفاعاً بقيمة أصول البنوك العامة والخاصة المحلية بلغت 18.73 تريليون جنيه، منها ودائع للعملاء بنحو 11.8 تريليون جنيه في مايو/أيار 2024، مقابل زيادة الإقراض إلى 6.9 تريليونات جنيه منها 3.4 تريليونات جنيه للحكومة و3.4 تريليونات للشركات العامة والمشتركة، و1.1 تريليون بالعملة المحلية والأجنبية للقطاع الصناعي الخاص و919 مليار جنيه لقطاع الخدمات، و317 للقطاع التجاري و60 مليار جنيه للقطاع الزراعي، خلال نفس الفترة.

وتأتي القروض الحكومية والائتمان وأذون الخزانة على قمة الاستخدامات الرئيسية للأموال في البنوك المحلية، إذ استثمرت البنوك نحو 5.2 تريليونات جنيه في الأوراق المالية، وأذون الخزانة بما يمثل ثاني وجهة استثمارية بعد الإقراض بنحو 30% من أموال البنوك، بهدف ضمان الحصول على عائد مضمون السداد ومرتفع عن 30%، بما يحافظ على أموال المودعين، ويحقق هامش ربح من فرق معدل الإقراض بالبنك المركزي الذي بلغ 27.25%، منذ مارس/آذار من العام الماضي.

وتمثل الاستثمارات في أذون الخزانة قصيرة الأجل بمفردها نحو 4.8 تريليونات جنيه، بينما تساهم البنوك بنحو 2.5 مليار جنيه في إجمالي محفظة الأوراق المالية بالأسهم والسندات التابعة للقطاع الخاص، تشكل نحو 5.8% من اجمالي محفظة أوراقه المالية بنهاية مايو/أيار 2024.

المساهمون