بدأت السلطات التونسية إجراءات الغلق النهائي للبنك الفرنسي ـ التونسي، الذي شهد إحدى أكبر قضايا الفساد في التاريخ التونسي، ما تسبب في دخول مالكي الأسهم الممثلين في الدولة التونسية والطرف الفرنسي في قضية تحكيم دولي منذ سنوات.
وقالت مصادر نقابية إن موظفي البنك فوجئوا، اليوم الاثنين، بغلق مقرات البنك ومنعهم من الدخول من قبل السلطات الأمنية، بعد تركيز سيارات الشرطة في محيط المقر الرئيسي للبنك وباقي فروعه.
ولم تكشف السلطات المصرفية بعد عن مصير أموال المودعين والدائنين. والبنك الفرنسي التونسي مصرف تجاري تم تأسيسه عام 1879، غير أنه أصبح محل تحكيم وتقاض دولي منذ عام 1983 بعد إجراءات لزيادة رأسماله سرعان ما تحولت إلى قضية مالية دولية بين الدولة التونسية والشركة العربية للاستثمار، التي يشرف على إدارتها التونسي عبد المجيد بودن، الذي حصل علم 2017 على حكم قضائي بات لصالحه يجبر الدولة على تعويضه بنحو 3 مليارات دينار.
ووصف نعمان الغربي، كاتب عام الجامعة العامة للبنوك والمؤسسات المالية، قرار غلق البنك بالفضيحة المالية، معتبرا أنه سيؤثر على سمعة القطاع المالي التونسي.
وقال الغربي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن الجامعة العامة للبنوك والمؤسسات المالية تبحث عن حلول من أجل ضمان ديمومة العمل للموظفين وحماية حقوقهم الوظيفية والمالية، مضيفا: "البنك الفرنسي التونسي توقف نهائيا عن العمل وفي انتظار إعلان القرار الرسمي بإفلاسه".
وتابع أن "المؤسسة خسرت أكثر من 70 مليون يورو (79.1 مليون دولار)، في مصاريف التقاضي على مدى سنوات إلى جانب إمكانية إنهاء ملف القروض غير المستخلصة التي حصل عليها عملاء البنك على مدى سنوات".
وقانونيا لم يصدر بعد عن القضاء التونسي أو مالكي الأسهم أي قرار قضائي بإشهار إفلاس البنك. لكن كاتب عام الجامعة العامة للبنوك والمؤسسات المالية أكد أن ما حدث مع البنك يعد سابقة في تاريخ تونس، مرجحا أن تكون له تداعيات على سمعة القطاع المصرفي عموماً.
وبدأت الترتيبات لغلق المؤسسة المصرفية منذ مدة وذلك عبر تسريح الموظفين الذين فاقت أعمارهم الخمسين عاما وتمكينهم من تعويضات وفق قانون المؤسسات الاقتصادية، فيما تم الإبقاء على الموظفين الأقل سنا الذين يرجح إعادة ادماجهم في مؤسسات مصرفية أخرى.
يتعلق بالبنك الفرنسي التونسي عدد كبير من ملفات الفساد حول محاولة بعض الأطراف الاستيلاء على أموال المؤسسة العربية للاستثمار وفساد يتعلق بقروض تم الحصول عليها دون ضمانات فاقت الـ300 مليون دولار، بحسب تقديرات خبراء مصرفيين.
وفي سبتمبر/ أيلول 2019 نفذ المجمع الاستثماري "أي بي سي انفست" حجزا على البنك التونسي في فرنسا، إثر صدور حكم نهائي ضد الدولة التونسية من قبل التحكيم الدولي في 2017 يقضي بتعويض المجمع بمليار دولار على خلفية انتزاع تونس ملكية البنك عام 1989.
وكان المجمع الاستثماري الفرنسي قد لجأ في 2003 إلى التحكيم الدولي ضدّ الدولة التونسية. في المقابل، كلفت تونس مكتب محاماة أجنبي للدفاع عن مصالحها في هذا الملف، غير أن مجهوداتها لم تؤد إلى أي نتيجة بعدما كسب الطرف الفرنسي حكما لصالحه في كافة أطوار التقاضي.