استمع إلى الملخص
- الحكومة العمانية تركز على الابتكار وتكنولوجيا المعلومات، مع تنفيذ مبادرات لتدريب الشباب وإطلاق برنامج وطني للذكاء الاصطناعي ضمن رؤية عمان 2040 لزيادة مساهمة الاقتصاد الرقمي.
- تواجه عمان تحديات في الابتكار تشمل التمويل المستدام، تطوير المهارات، دعم المشاريع الصغيرة، وتعزيز البحث والتطوير، مع الحاجة لإصلاحات تنظيمية وثقافية.
تواجه سلطنة عمان نقطة تحول في مسارها الاقتصادي نحو رقمنة شاملة تدفع عجلة الابتكار، إذ شهدت في السنوات الأخيرة انطلاقة نحو تبني التقنيات الحديثة لدعم الاقتصاد الرقمي، بدءًا من إعداد الشباب وتدريبهم وصولًا إلى التعاون الدولي، ما تجسد في إطلاق مبادرة "مسرعة الأعمال لتمكين مستقبل المشاريع الناشئة المبتكرة والتقنية".
وتعد هذه المبادرة واحدة من المبادرات الاستراتيجية التي أطلقها برنامج الشركات الناشئة العمانية الواعدة بالتعاون مع هيئة تنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، والمؤسسة العامة للمناطق الصناعية (مدائن)، وأكاديمية الابتكار الصناعي، بالإضافة إلى عدد من الشركاء الإقليميين والدوليين.
وفي يومي 23 و24 من في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، نظمت مبادرة "القائد المبتكر" بالتعاون مع جامعة التقنية والعلوم التطبيقية في مسقط فعالية "تكنولوجيا المستقبل"، بهدف تعزيز مهارات الطلاب في البرمجة وربطها بالتقنيات الحديثة كالذكاء الاصطناعي، وذلك في إطار سلسلة من المبادرات التي تهدف إلى تطوير الموارد البشرية باتجاه التحول نحو اقتصاد ذكي.
ومع ذلك، لاتزال السلطنة تواجه تحديات تنظيمية وثقافية يجب تجاوزها لضمان نجاح مساعي الابتكار، بحسب إفادة خبيرين لـ "العربي الجديد"، نوها إلى أن تمويل الشركات الناشئة يحتاج إلى موارد مستدامة، مع تسهيل الإجراءات الإدارية لتشجيع الابتكار، وتهيئة المجتمع ثقافيا لتقبل التحولات الرقمية المتسارعة.
اهتمام كبير
في هذا الإطار، يؤكد الخبير الاقتصادي العماني، خلفان الطوقي، في تصريحات لـ "العربي الجديد"، أن قطاع الابتكار وتكنولوجيا المعلومات في سلطنة عمان يشهد تطورًا ملحوظًا في الاتجاه الرقمي، حيث تولي حكومة السلطنة اهتمامًا كبيرًا بهذا المجال، مشيرا إلى أن العمل جار على تنفيذ مبادرات متعددة، تشمل تدريب وتأهيل عشرات الآلاف من العمانيين، تشارك فيها الجامعات والمؤسسات التعليمية.
ويوضح الطوقي أن وزارة النقل وتقنية المعلومات تعمل بجد في هذا المجال، بالتعاون مع وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، بالإضافة إلى المؤسسات التعليمية الأخرى، مشيرا إلى أن التوجه نحو التطوير الرقمي واضح في خطابات سلطان عمان، هيثم بن طارق، ما يعكس الاهتمام الكبير بهذا القطاع.
ويشير تقرير نشرته منصة "تليكوم ريفيو"، المتخصصة في الاتصالات وتقنية المعلومات، إلى إطلاق سلطنة عمان برنامجا وطنيًا للذكاء الاصطناعي والتقنيات الرقمية المتقدمة هو جزء من رؤية عمان 2040، ويهدف إلى تعزيز الاقتصاد الرقمي من خلال إدماج الذكاء الاصطناعي في مختلف القطاعات الاقتصادية.
ويتوقع التقرير أن يسهم البرنامج في زيادة مساهمة الاقتصاد الرقمي في الناتج المحلي الإجمالي للسلطنة إلى 10% بحلول عام 2040، مما يعكس التزام الحكومة بتطوير المهارات الرقمية وتعزيز الابتكار. وفي السياق، يلفت الطوقي إلى أن وزارة الاقتصاد تدرك أهمية الاقتصاد الرقمي لمستقبل للبلاد، وتعمل على إطلاق مبادرات داعمة، ويشير إلى وجود برامج للتدريب والتأهيل، بالإضافة إلى الاستثمار في هذا المجال، مثل إنشاء صندوق عمان المستقبل الذي يركز على بناء شراكات عالمية ونقل التكنولوجيا إلى السلطنة.
ويضيف الخبير الاقتصادي أن الصندوق مستعد للتعاون مع أي منتج تكنولوجي يخدم السوق العالمي وليس فقط السوق العماني، مشيرا إلى أن هذه الجهود تهدف إلى تعزيز جاهزية سلطنة عمان لاستقطاب الاستثمارات العالمية في مجالات تقنية المعلومات والشركات الناشئة والابتكار، ومع ذلك يشير إلى وجود بعض التحديات، مثل الحاجة إلى وقت لتحقيق الجاهزية الكاملة، وضرورة تهيئة المجتمع لهذا النوع من الاستثمار.
خمسة تحديات أمام الاقتصاد الرقمي في عُمان
في السياق، يشير الخبير الاقتصادي العماني، مرتضى حسن علي، في تصريحات لـ "العربي الجديد"، إلى أن نجاح الحملة الوطنية لتعزيز الابتكار والتكنولوجيا في عمان يتطلب خمس خطوات أساسية، أولها تطوير المهارات والتعليم عبر تقديم برامج تدريبية وورش عمل للطلاب والشباب ورواد الأعمال. ويؤكد أن هذه البرامج تعزز المهارات الضرورية في مجالات متنوعة كالبرمجة والتحليل والتصميم وإدارة المشاريع، مما يسهم في إعداد قوة عمل مؤهلة وقادرة على الابتكار.
وتتمثل الخطوة الثانية في دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة، حيث يشير علي إلى ضرورة توفير الدعم المالي والتقني للمشاريع الناشئة من خلال الحاضنات، الأمر الذي يمكّن رواد الأعمال من تنفيذ أفكارهم وتحويلها إلى منتجات وخدمات ملموسة على أرض الواقع. ويأتي تعزيز البحث والتطوير في المرتبة الثالثة، إذ يشدد الخبير الاقتصادي على أهمية تشجيع الجامعات والمؤسسات البحثية على التعاون مع القطاع الخاص لتنفيذ الأبحاث التطبيقية، مما يسهم في إنتاج حلول محلية مبتكرة تلبي احتياجات السوق العماني.
وتشكل الشراكات الدولية المحور الرابع في هذه الحملة، حسب علي، لافتا إلى أن فتح الباب أمام الشركات والمؤسسات الدولية للاستثمار يسهم في نقل التكنولوجيا إلى عمان، مما يوفر بيئة خصبة للتعاون وتبادل المعرفة والخبرات.
وتكتمل الخطوات الخمس بالتوعية الثقافية، إذ يرى علي أن إقامة الحملات الإعلامية والتثقيفية من شأنها الإسهام في زيادة الوعي بأهمية الابتكار ودوره في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
وفي المقابل، ينوه علي إلى أن تنفيذ هذه الحملة يواجه خمسة تحديات رئيسية، في مقدمتها التمويل المستدام، مشيرا إلى ضرورة توفير موارد مالية مستدامة لدعم جميع المبادرات والأفكار، خاصة المشاريع التي تتطلب موارد كبيرة.
ويبرز التحدي الثاني في قلة الخبرات والكوادر المتخصصة في مجالات التكنولوجيا والابتكار، حسب علي، مؤكدا أن هذا الواقع يفرض ضرورة التركيز على التعليم والتدريب بشكل مكثف.
ويتمثل التحدي الثالث في القيود التنظيمية، إذ إن بعض الإجراءات والتشريعات قد تعيق سرعة تنفيذ الأفكار الجديدة، مما يتطلب إصلاحات تنظيمية لخلق بيئة مرنة تشجع على الابتكار، حسبما يرى علي.
وكان تقرير "تليكوم ريفيو" قد تناول أهمية الإصلاحات التنظيمية لتعزيز بيئة الأعمال في سلطنة عمان، مشيرا إلى ضرورة مراجعة الحكومة العمانية للتشريعات الحالية من أجل تسهيل عملية الابتكار وتبسيط الإجراءات أمام الشركات الناشئة والمستثمرين الأجانب.
وتمثل التنافسية العالمية التحدي الرابع أمام حملة تعزيز الابتكار في عمان، وفق علي، موضحا أن السلطنة تواجه منافسة كبيرة خاصة من الدول التي تمتلك بنى تحتية تكنولوجية أقوى وأكثر تطوراً. أما التحدي الخامس فيتمثل في مقاومة التغيير لدى قطاعات من العاملين، إذ يؤكد أن بعض الفئات في المجتمع العماني غير مستعدة للتغيير التكنولوجي، ما يستدعي العمل على بناء ثقافة مجتمعية تتبنى الابتكار بما هو قيمة أساسية.