إرجاء "إصلاحات" مصر: انتخابات الرئاسة تجمّد الاتفاق مع صندوق النقد

16 سبتمبر 2023
ربط إصلاحات الصندوق بتعويم رابع للجنيه (خالد الدسوقي/فرانس برس)
+ الخط -

أرجأت الحكومة المصرية تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي، الذي تعهدت بتنفيذه مع صندوق النقد الدولي، إلى حين إجراء انتخابات رئاسة الجمهورية المقررة في موعد غير محدد من العام المقبل.

وأكدت مصادر لـ"العربي الجديد" أن تأجيل الاتفاق يستهدف إرجاء تعويم رابع للجنيه، خلال الربع الأخير من العام الحالي، يهبط به بنحو 20 في المائة عن قيمته الحالية، ما يُفقد النظام مزيداً من هيبته أمام الناخبين، حيث تعهدت الرئاسة بعدم المساس بقيمة العملة، التي تؤثر في قدرة المواطنين على شراء احتياجاتهم الأساسية يوميا.

ويظهر اقتصاديون مخاوفهم من أن تجميد المفاوضات مع صندوق النقد سيحرم الحكومة من تدفقات نقدية جديدة، ويعطل مشروع بيع الأصول العامة، ما يصعد أزمة نقص الدولار، ويجمد الاستثمارات، ويعطل المشروعات الصناعية المعتمدة على الواردات، بينما يراها خبراء فرصة لالتقاط المصريين الأنفاس، لإعادة النظر في برنامج الطروحات العامة، والتوصل إلى اتفاقات جديدة تحول دون اعتماد الحكومة على مزيد من القروض، وتوجيه الاستثمارات العامة إلى مشروعات إنتاجية.

مشروعية التأجيل

أكد الدكتور عبد النبي عبد المطلب، الخبير الاقتصادي، لـ"العربي الجديد"، وجود مؤشرات تظهر تفاهما بين الحكومة وصندوق النقد على تأجيل موعد المراجعات الفنية المجدولة مسبقا خلال الأسبوع الجاري، استهدفت تقديم تقرير شامل عن مدى التزام الحكومة بتنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي الموقع مع الصندوق، وبخاصة ما يتعلق بتحرير سعر الصرف، وبيع الأصول العامة المقرر طرحها خلال العام الجاري.

وأوضح أن قواعد الصندوق تسمح بتأجيل المفاوضات، لأن الدولة ستشهد انتخابات رئاسية، ما يعني صعوبة اجراء المفاوضات في ظل هذه الظروف.

بدوره، لفت فخري الفقي، رئيس لجنة الخطة والموازنة في مجلس النواب والمستشار الاقتصادي في رئاسة الجمهورية، إلى أن المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي يتيح للدول التي تطبق برامج إصلاح اقتصادي تأجيل تطبيق بعض الشروط المتفق عليها، إذا كانت تستعد لإجراء انتخابات رئاسية.

وقال الفقي الذي عمل في صندوق النقد مدة 20 عاما، في تصريحات صحافية، إن القوانين المنظمة لصندوق النقد تتيح تأجيل بعض الإصلاحات مع الدول إذا كانت مقبلة على انتخابات رئاسية، مع حقها في الحصول على الشريحتين الثانية والثالثة المستحقتين من الصندوق في شهري يوليو/ تموز وسبتمبر/ أيلول 2023، مقابل تعهد تكتبه بالالتزام بتنفيذ ما تبقى من الإصلاحات الاقتصادية المتفق عليها بعد انتهاء الانتخابات الرئاسية.

ويذكر الفقي موافقة صندوق النقد على تأجيل اتفاقاته مع بعض الدول بنفس الطريقة، من بينها الأرجنتين. خوف على الاستثمارات يثير التأجيل تحفظات اقتصاديين، حيث يرى الدكتور عبد النبي عبد المطلب، نائب وزير التجارة الأسبق، أن الاقتصاد سيواجه حالة من الجمود لحين انتهاء الانتخابات والعودة إلى طاولة المفاوضات مع الصندوق، لافتا إلى أن المستثمرين الأجانب والمصريين سيعلقون قراراتهم لحين تحرير سعر الصرف.

ويبدي عبد المطلب مخاوفه من أن يدفع تأجيل الاتفاق إلى مزيد من شح الدولار والسلع المعتمدة على الواردات، وتعطل الصناعات التي تحتاج مستلزمات الإنتاج من الخارج، ليصبح إتمام الصفقات من الأمور المستحيلة، في ظل عدم قدرة رجال الأعمال على اتخاد القرار الاقتصادي السليم مع استمرار الحالة الضبابية التي تحكم الاقتصاد.

ويظهر عبد المطلب ثقة كبيرة في توجه الأسواق إلى مزيد من الاقبال على السوق السوداء، للبحث عن الدولار الشحيح في القنوات الرسمية، مع يقين قائم بأن التعويم قادم لا محالة، مشيرا إلى توجه المستثمرين إلى انتظار التغيرات المقبلة، بعد الانتخابات، وبما يعطل العمل بالمصانع غير القادرة على تدبير العملة الصعبة، جزئيا أو كليا.

كما يتوقع أن تشهد الأيام المقبلة تراجعا في الإقبال على تعاملات البورصة، مذكرا بأن ارتفاعاتها إلى مستويات قياسية خلال الأيام الماضية عكس مخاوف المتعاملين من تراجع مرتقب في قيمة الجنيه، فأرادوا توظيف ما لديهم من سيولة في شراء أصول تحفظ قيمة ثرواتهم، أما وقد تأجل التعويم، فسيتجهون مرة أخرى للبحث عن الدولار أو الذهب، الأكثر أمانا وحفظا للثروة، لا سيما أن فترة الانتخابات لن تشهد طروحات مهمة في بيع الشركات العامة.

وتشهد الأسواق حالة من عدم الاستقرار في أسعار السلع، التي ستخضع لكمية الطلب وندرة العرض، مع ارتفاع التكاليف وتراجع الجنيه.

ويخشى عبد المطلب من تراجع المستثمرين الراغبين في شراء أصول عامة عن تنفيذ شراكاتهم مع الحكومة، في ظل رفضهم سياسة التسعير المتبعة للعملة حاليا والتي يديرها البنك المركزي، من دون خضوعه للصرف المرن وفقا للعرض والطلب، لا سيما أن مؤسسات التمويل الدولية لن تتمكن من وضع تسعير للطروحات العامة، في حالة عدم وجود رؤية شفافة وواضحة لسعر الصرف.

تجارب سابقة

على النقيض من ذلك، يرى الدكتور فخري الفقي أن مصر لديها القدرة على الوفاء بالتزاماتها تجاه الدائنين الخارجيين، مشيرا إلى سداد معظم الديون المستحقة، خلال العام الحالي، المستجلبة من فائض النشاط السياحي وايرادات قناة السويس، مبينا أن الالتزامات المالية المتبقية في حدود 3 مليارات دولار ستسدد خلال الربع الرابع من العام الحالي.

ويتوقع الفقي أن تجدد دول الخليج ودائعها المستحق استردادها من البنك المركزي خلال الفترة المقبلة، لمساعدة الحكومة على زيادة الاحتياطي النقدي من العملات الصعبة، ولجعلها آمنة من التقلبات الاقتصادية الصعبة.

وسبق لصندوق النقد أن وافق على تأجيل باكستان رفع أسعار الوقود والسلع المدعومة من الدولة أثناء انتخابات عامة أجريت عام 2022، مع موافقته على تقديم قرض عاجل بقيمة 3 مليارات دولار للحكومة، من دون إلزامها بتنفيذ اتفاق مسبق مع الصندوق، لمساعدتها على وقف التدهور الاقتصادي الناجم عن شح العملة الصعبة، والحد من المشاكل الاقتصادية الناجمة عن الفيضانات الشديدة التي أغرقت ثلث أراضي الدولة العام الماضي.

اقتصاد الناس
التحديثات الحية

والتزمت الحكومة المصرية باتفاق مع صندوق النقد الدولي في ديسمبر/ كانون الأول 2022، يقضي بحصول مصر على قرض قيمته 3 مليارات دولار، يسدد على أقساط ربع سنوية، بالإضافة إلى 1.3 مليار دولار من صندوق الاستدامة التابع للصندوق، وضمان حصول النظام على 5 مليارات دولار من شركائه الاقليميين والدوليين، مقابل التزامه بتحقيق سعر صرف مرن للعملة والتخارج من ملكية الأصول العامة، وإفساح المجال أمام القطاع الخاص لإدارة الاقتصاد، الذي يهيمن الجيش والأجهزة السيادية والحكومية على إدارته.

ولم يصرف الصندوق سوى 347 مليون دولار قيمة القسط الأول من القرض، وتعطل صرف القسط الثاني منذ مارس/ آذار الماضي، لعدم التزام الحكومة بسعر صرف مرن للعملة، وثبات سعر الجنيه عند مستوى 30.90 جنيهاً في البنوك الرسمية منذ إبريل/ نيسان الماضي، ما أحدث فجوة بين سعر الدولار والعملات الرئيسية في البنوك والسوق الموازية، بلغت نحو 25 في المائة من قيمة الجنيه.

المساهمون