هذه هي التجربة التاسعة من معرض "خمسين في خمسين" يقيمها "غاليري المرخية" هذه المرة في مقرّه بالحي الثقافي - "كتارا"، في العاصمة القطرية الدوحة، وجاءت هذه المرة بمشاركة 18 فناناً وفنانة، قدّموا جميعهم لوحات بهذا القياس، ويستمرّ حتى 20 يناير/ كانون الثاني 2023.
تناسب هذه المساحة البورتريهات التشخيصية، والثيمات التجريدية التعبيرية التي يمكن أن تتكرّر حتى حدود 50 في 50، أو تستمرّ في مديات خارج القياس المتّفق عليه، والسوريالية كذلك، مبتعدة عن النفَس الملحمي حين يفضّل مساحات أوسع.
تظهر الوجوه بالأسود والأبيض، بينما العلَقات على الجبين والأنف. بهذين اللونين فقط وهذه الفكرة المرسومة بدقة تشريحية يضع الفنان حسان المناصرة مشاهده أمام صدمة مباشرة لا تطلب ولا تحتاج أي تأويل.
ابتسام الصفّار في لوحاتها الثلاث بعنوان "البحيرة"، ثلاثة وجوه أيضاً تواصل فيها خيارها الذي أرادته منذ سنوات بأن تكون مساحة الوجه زاهدة التفاصيل، مثل سطح مائي تنعكس فيه كل الصور، تأتي الوجوه الفارغة لتكون مرآة مشاهدها. وعلى مقربة، ثمّة تجربتان واحدة لبثينة المفتاح والثانية لمها المعاضيد، والاثنتان اختارتا النزوح إلى ما هو أصغر مساحة من القياس المطلوب، حتى إن الأعمال تبدو بحجم بطاقات معايدة داخل مساحة مؤطرة تبدو شاسعة هذه المرة.
تبدو بعض الأعمال بحجم بطاقات معايدة داخل مساحة شاسعة مؤطرة
تواصل المفتاح لوحاتها الصغيرة بالأسود والأبيض مع حضور الخطّ العربي وإيحاء البطّولة (قطعة تغطي وجه المرأة ما عدا العينين)، وهذه البطّولة سنراها في أعمال الفنانين مبارك المالك وفاطمة محمد أكثر وضوحاً وملونة. أما مها المعاضيد فقد أعادت إنتاج ثلاث صور فوتوغرافية فورية من عقد السبعينيات، إذ كانت في ذلك الوقت صوراً خلّابة تأخذ من الزمن بين التقاط الصورة وتحميضها دقيقتين.
بدت الفنانة وفية لقياس الصور الذي كان في زمن صور "البولارويد" حوالي 11 في 9 سنتيمترات، وهي هنا تشكيلياً أخذت الذكرى الفوتوغرافية بعيداً عن الترجمة، وسمّت اللوحات بأسماء الأماكن التي توقف فيها الزمن لحظة التقاط الصورة.
أحمد نوح اختار للوحاته الكراسي الرمزية، ليمثّل كلّ كرسي منها مرحلة من حياة الفرد وتحولاته، ووجد في إعادة تدوير الأشياء لغة تقول الأشياء ببساطة ومكر. هذه جرائد وأكياس ورقية من علامات تجارية، والتي بلا علامة واضحة يتبرّع الفنان ذاته بتوضيح أصلها للمشاهد.
ولزائر كورنيش مدينة لوسيل الحديثة، شمال الدوحة، أن تقع عينه على مجسم "العقال" (قطعة تثبت على لباس الرأس الرجالي: الشماغ أو الغترة أو الكوفية). هذا العمل للفنانة شوق المانع. وفي المعرض لوحات لها بعنوان "حوار" تتحرر فيها العقالات من أشكالها وتسيل على سطح القماش. في لوحات فاطمة النعيمي تحت عنوان "لحظة" لوحة واحدة منقسمة إلى ثلاثة أجزاء، وتُقرأ هكذا بوصفها قطعاً متجاورة ومنفصلة في الوقت ذاته، لكنها مع بعضها البعض تعطي المعنى للحظة التي تحضر كموجة ثم تنتهي وتبدأ من جديد.
الفنان عبد العزيز يوسف لا يهرب من رسم الكاريكاتير الذي يشتغل به منذ سنوات واشتهر بتوقيع لقب "تمساح"، فهو هنا في لوحاته التشكيلية ما زال يرسم مدفوعاً بالسهل الممتنع والخطوط الواضحة، في لوحاته "فجر" و"عصر" و"غروب".