ماريانجيلا غوالتييري: الآن نحن في البيت

16 مارس 2020
ماريانجيلا غوالتييري (Getty)
+ الخط -

في وقت متأخّر من ليلة التاسع من مارس/ آذار الجاري، وقّع رئيس الحكومة الإيطالي، جوزيبي كونتي، مرسوماً تاريخياً جرى بمقتضاه الحدُّ من الحركة في كامل إيطاليا، وذلك بعد يومٍ واحد من إعلان مناطق كاملة شمال البلاد "مناطق خطر" لاستفحال العدوى بفيروس كورونا.

القرار الذي أتى بتدابير قصوى ـ ولم يستثنِ أيّةَ منطقة إيطالية هذه المرّة ـ رمى في جانبٍ كبير منه إلى توحيد الإجراءات المتّخذة في إيطاليا لمكافحة "كوفيد 19" المستجدّ، بعد أن بدأت حالات الانقسام بين مكوّنات المجتمع الإيطالي تأخذ منعرجات خطيرة، تمثّلت في تواصل حركة السهر في العاصمة الإيطالية، في تجاهل صارخ لتعليمات السلطات بضرورة الابتعاد عن الأماكن العامة والالتزام بمسافة متر بين الأفراد في حال الخروج للضرورة القصوى للحد من فرص العدوى.

غير أنَّ وسائل الإعلام تناقلت صُوراً لسهراتٍ شبّانية محمومة في روما يوماً واحداً قبل إصدار مرسوم التاسع من مارس الذي جرى سَنّه تحت طائلة الغرامات والحبس لكل المخالفين في أنحاء البلاد كافة، بعد أن رأى البعض أن "الفيروس لا يقتل سوى المسنّين".

وكان قد عزّز حالة الانقسام الداخلية بين أطياف المجتمع، خروج أصوات سياسية مستجدة، لا سيما من حركة "لي سارديني" المناهضة لزعيم اليمين ماتيو سالفيني (رئيس حزب رابطة الشمال سابقاً)؛ حيث نقلت صحيفة "إل جورنالي" أقوال الناطقة باسم الحركة في إقليم كالابريا (جنوب إيطاليا)، جاسمين كريستالو، يوم 8 مارس، تحدّثت فيها عن "الفرار الجماعي لسكّان الشمال إلى الجنوب في جُنح الليل"، وطالبت بـ"اتخاذ إجراءات حجر جادّة على سكّان الشمال وإيقاف وسائل النقل بين شمال وجنوب إيطاليا".

وذهبت كريستالو إلى القول: "لو انطلق الوباء من الجنوب، لكان الجيشُ هو من تصدّى لنا، ووضعنا في غيتوهات، وقام بعزلنا مباشرة"، لتذهب السياسية الإيطالية بعيداً بالحديث عن "حرب أهلية" محتملة، في تصريحات صادمة، عرّت حالة الاهتراء التي تعاني منها الساحة السياسية الإيطالية، حيث تُخصّص بعض التيارات خطاباتها للترويج لحلول البلقنة في بؤر الصراع العالمية وتغذية النعرات العرقية والصراعات الجندرية، لتنتقل خطابات التقسيم هذه إلى الداخل الإيطالي في أحلك أزمة تمرّ على البلاد منذ عقود.

هكذا، أتى مرسوم 9 مارس التاريخي محاولاً وضع حدٍّ لخطابات التفرقة، إلى جانب فيروس كورونا. ولم يضيّع الأدب الإيطالي الفرصة ليحتفي برمزية هذا التاريخ، من خلال قصيدة حملت عنوان "تسعة مارس ألفان وعشرون" للشاعرة الإيطالية والمسرحية ماريانجيلا غوالتييري، التي تنشرها "العربي الجديد" هنا مترجمةً إلى العربية باتفاق مع كاتبتها؛ القصيدة التي انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي والإذاعات الإيطالية وكأنما أعادت إلى الشعر مكانته بوصفه حاملاً للضمير الجمعي للشعوب، من خلال انعكاس الصوت العميق لهواجس الفرد.

بعيداً عن الاستثمار في أيّة ثنائيات ضدية ـ على طريقة الساسة ـ انتصرت الشاعرة لصوت الوحدة... صوت الحكمة... صوت الإنسان. معيدة اللُّحمة بقصيدتها ليس لأبناء المجتمع الواحد فحسب، نساء ورجالاً، كهولاً وشباباً، شمالاً وجنوباً، بل أبناء المعمورة بأسرها "كلنا أو لا أحد"، في خطاب شعري يحتفي بمنظومة الكون بأسرها والتناغم بين عناصره، ويعول على الذكاء الفطري للإنسان الذي يهفو للتقارب لا للتنائي، للتوحد لا للتشرذم، بوصفنا أبناء "نوع واحد" لا بد من أن يضع كل منا يده في يد الآخر ليحيا.


التاسع من آذار 2020

ماريانجيلا غوالتييري

أودّ أن أقول لك هذا
كان لا بُدّ أن نتوقّف.
كنّا نعلم ذلك. الكل كان يشعر
بأنه كان جِدَّ محتدمٍ 
اعتمالنا. بقاؤنا داخل الأشياء.
الكل خارجنا.
رَجُّ كل ساعة - جعلها تثمر.

كان لا بد أن نتوقّف
ولم نستطع.
كان علينا فعل ذلك سويّاً.
تخفيف الركض.
لكننا لم نستطع.
كانت فوق طاقة البشر 
القدرة على كبحنا.

ولأن هذه
كانت هي الرغبة المشترك المكتومة
كشهوة في اللاوعي -
ربما أطاعها نوعنا
وحلّ القيود التي كانت تُبقي محصّنةً
البذرة داخلنا. وشرّع
الشقوق الأكثر سرية
على مصراعيها. 
ربما لهذا السبب قفزت بعدها
أنواع - من الخفّاش إلينا.
شيء فينا أراد أن ينفغر.
ربما، لا أدري.

الآن نحن في البيت.

مدهش ما يحدث.
هناك شيء من ذهبٍ، باعتقادي، في هذا الوقت
العجيب.
ربما هناك عطايا.
شذرات ذهبٍ لنا. إذا ما ساعدنا بعضنا.
هناك نداء قوي للغاية
من نوعنا في هذه اللحظة وكنوع الآن
لا بدّ لكلّ منّا أن يرى نفسه. مصير 
مشترك يبقينا هنا. كنّا نعلم ذلك. لكن ليس 
جيّداً 
كلُّنا أو لا أحد.

جبّارة هي الأرض. حيّة بحق.
أنا أشعر أنها تتدبّر فكرة
لا علم لنا بها.
وما يحدث؟ لنتأمّل
إن لم تكُن هي المحرّك.
إن كانت النواميس التي تسيّر جيّداً
الكون بأسره، وإن كان كل ما يحصل
أتساءل
هو التعبير الأكمل لهذه النواميس
التي تحكمنا نحن أيضاً - تماماً
كأي نجم - وأي جُسيّم في الكون.

إن كانت المادّة المظلمة هي
فعل الإبقاء على كلّ شيء مجتمِعاً في اضطرام
الحياة، مع مكنسة المنيّة التي تأتي
لتحقيق التوازن ضمن الأنواع.
تبقيها في نطاقها، في مكانها،
مُسيَّرة. لسنا نحن
من رفع السماء.

صوتٌ مهيبٌ، عاجزٌ عن الكلام
يخبرنا الآن أن نبقى في بيتنا، كأطفال
اقترفوا شقاوة، لا يدرون
ما هي،
لن يحصلوا على قُبلات، ولا
أحضان.
الجميع داخل مكبح
يعيدنا إلى الوراء، ربما
إلى بطء
السالفات السابقات، الأمّهات.

ننظر أكثر إلى السماء،
نصبغ ميتاً بالمَغْرَةِ. نصنع
لأوّل مرّة
خبزة. نتأمّل وجهاً ما. 
نشدو
على مهلٍ لطفل إلى أن يغفو. 
لأوّل مرّة
نشدّ بيد على يد أخرى 
ونشعر بالتفاهم التام. إننا معاً.
جسدٌ واحد. كلّ نوعنا
نحمله داخلنا. وداخلنا
نحفظه.

إلى هذه المصافحة 
بين كف وكف
لهذا الفعل البسيط المحظور علينا
الآن -
سنعود بإدراك أوسع.
سنكون هنا، أكثر انتباهاً، أعتقد. وبأكثر 
رهافة
سنبسط راحة يدنا على مضامين الحياة.
الآن وقد عرفنا كم هو محزن
التنائي بمتر.

المساهمون