دفعت مجموعة من العوامل والظروف المتراكمة إلى انزياح في الدراسات الأركيولوجية التي تتناول الحضارات التي احتضنتها المنطقة العربية، حيث تتمركز في المعاهد والأكاديميات الغربية لاحتكارها معظم البعثات الأثرية منذ مئات السنين وحتى اليوم، ووجود كم كبير من المكتشفات في متاحف الغرب.
كما أن الدراسات في حقل التاريخ اعتمدت التحقيب الأوروبي، الذي يحكم التسلسل الحضاري في أي بقعة حول العالم، حيث يتم تقسيم المراحل التي عاشتها جميع الشعوب وفق ترتيب معيّن للأحداث التاريخية وتأويلها، ما يكرّس تبعية الأطراف للمركز.
ضمن سلسلة محاضرات "اللقاءات الأثرية"، يقيم "المعهد الفرنسي للآثار الشرقية" في القاهرة عند السادسة من مساء الأحد المقبل، الثاني والعشرين من الشهر الجاري، محاضرة بعنوان "الصحراء والوادي، علاقة جدلية يتم مقاربتها من خلال فن النقوش الصخرية في وادي أبو صبيرة (أسوان)" تلقيها الباحثة الأركيولوجية الفرنسية غوانولا غراف.
تسلّط المحاضِرة الضوء على دراسة قام بها الفريق الفرنسي-المصري منذ عام 2013، لمنطقة وادي أبو صبيرة بالقرب من مدينة أسوان (جنوبي القاهرة) في أكثر من ستمئة موقع على مساحة تمتد إلى أربع وثلاثين كيلومتر مربع يتم دراستها.
تشير غراف إلى طبيعة عمل البعثة الذي تضمّن ورش تقطيع الأحجار من العصر الحجري الأوسط وانتشار قطع حجرية وفخارية من جميع العصور، والعثور شواهد الحفائر الرئيسية هي النقوش الصخرية في الكهوف التي ترجع إلى عصر ما قبل الأسرات الفرعونية، حيث يعود الاستيطان البشري في المنطقة إلى حوالي خمسين ألف عام من الحياة البشرية تم تمثيلها في النقوش الصخرية.
وتهدف أعمال الجرد والتوثيق التي تقوم بها البعثة، بحسب الباحثة، إلى حماية المنطقة المهددة بتوسع وامتداد مناجم أكاسيد الحديد في المنطقة، موضحة أنه تم اكتشاف نقوش العديد من الحيوانات خلال هذا العصر الحجري الحديث مثل الزرافات والأفيال والتماسيح، وتضم أيضاً أقدم نقوش تمثّل مدينة صغيرة تظهر فيها علامات الاستقرار كرعي الحيوانات وزارعة الأشجار.
وتلفت غراف إلى أن بعض النقوش ترجع إلى العصر النيوليتي (نهاية العصر الحجري الحديث 9000 – 4500 قبل الميلاد)، وعصر ما قبل الأسرات وبداية التاريخ المبكر (5300 – 3100).