في عام 2006، صاغت وزارة الثقافة الأردنية ما يمكن القول إنه أوّل تصوّر ثقافي شامل يحدّد سياساتها العامّة، من خلال برامج ومشاريع وآليات وتمويل وتنفيذ في إطار "خطّة التنمية" التي وُضعت لمدّة خمس سنوات، وظلّت تجدّد إلى اليوم بشكل تلقائي.
مثّلت الخطةُ ترجمةً واقعية لأقصى ما يُمكن أن تقدّمه الوزارة بوصفها مسؤولة عن الفعل الثقافي ومموّلة لنتاجاته؛ حيث لا تزال تصرّ على هذه الصيغة الملتبسة التي تريد أن تؤطّر الإبداع والفكر والفنون ضمن مساحة متوافق على حدودها وضوابطها.
أقرّت هذه الخطّة مشروع "مدن الثقافة" الذي يختلف في شكله وبعض آليات تنفيذه عن مشاريع مماثلة في البلدان العربية، لكنها تشترك في أساسها الذي يقوم على "تحقيق العدالة في توزيع مكتسبات التنمية الثقافية بين أقاليم المملكة، وتخفيف المركزية القائمة في الحراك الثقافي والفني لصالح العاصمة".
يقوم المشروع على فكرة اختيار مدينة كلّ عام، لتتوزّع الميزانية المرصودة لها بين بناء بنية تحتية للثقافة فيها، حيث كانت تخلو منها معظم المدن الأردنية، وبين دعم تظاهرات وفعاليات وإصدارات كتب للمبدعين في هذه المدينة وترويجها.
لم تخضع الفكرة إلى أية مراجعة جذرية وجديّة بعد ثلاثة عشر عاماً من إطلاقها، بل إنه، وبعد أن نالت جميع المدن الرئيسية (أي مراكز المحافظات) هذا اللقب، باتت تُقام منذ العام الماضي في ثلاث مدن أصغر، من دون مناقشة دواعي استمرارها على هذا النحو بين الفاعلين في المشهد الثقافي.
منذ أيام، أعلنت الوزارة عن اختيارها كفرنجة في إقليم الشمال، وذيبان في الوسط، وبصيرا في الجنوب؛ مدناً ثقافية لعام 2019، والتي يتراوح عدد سكّانها بين عشرة آلاف وخمسة وثلاثين ألفاً. ومن الطبيعي أنها لم تشهد في وقت سابق أية فعالية ثقافية تُذكر، لكن اللافت أن الأمر سيعود إلى حاله مع انتهاء الاحتفالية أواخر العام الحالي، قياساً لما حصل في التظاهرات السابقة.
تكمن المعضلة الأولى في أن المشروع وُلد في سياق مختلف تماماً؛ حيث رُصد مليون دينار لإربد، أول مدينة ثقافية عام 2007، بينما لا تتجاوز اليوم الميزانية المرصودة للمدن الثلاث مجتمعةً أكثر من مئتين وخمسين ألفاً، ما دعا مسؤولين للقول في تصريحات سابقة لـ"العربي الجديد إن "شحّ الموارد المالية وعدم توفُّر البنية التحتية اللازمة يُشكّلان عائقاً أساسياً في هذا المجال"، ما يسبّب إخفاقاً في رهان الحكومة على اللامركزية الثقافية.
ويبدو لافتاً أن العمل لا يزال جارياً على استكمال بناء مراكز ثقافية في مدن تمّ اختيارها قبل عامَين أو ثلاثة، بحسب بيانات الوزارة نفسها، والتي لجأت إلى تنفيذ مشروعها بالتعاون مع وزارات البلديات والشباب والتعليم والتعليم العالي والسياحة وبعض الشركات الخاصة ومنظّمات المجتمع المدني، كونها تمتلك قاعات مؤهّلة لإقامة محاضرات وعروض مسرحية وموسيقية وتشكيلية، ويمكنها المساهمة في دعم بعض الفعاليات.
يحضر تساؤل أساسي عن قدرة هذه المؤسّسات الحكومية والخاصة والأهلية على التعاون في ما بينها لمدّة عام واحد، وهي التي تظلّ عاجزةً عن بلورة برنامج ثقافي دائم لا يرتبط بمناسبة بعينها.