ما كان متوقّعاً حدث بالفعل: وزيرة الثقافة "الإسرائيلية"، ميري ريغيف، تتجوّل داخل "مسجد الشيخ زايد" في أبوظبي في التاسع والعشرين من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، ضمن زيارة حظيت باحتفاء كبير وتغطية إعلامية موسّعة من البلد المضيف الذي يختصر المسافات والزمن للتطبيع مع دولة الاحتلال والإرهاب.
الحادثة الأبرز في المشهد الثقافي الخليجي في 2018، أتت بعد العديد من الرسائل المتبادلة بين "إسرائيل" وعواصم خليجية بعينها، فعلى هامش "مهرجان كان السينمائي" في نيسان/ إبريل من السنة ذاتها، قال وزير الثقافة السعودي، في ردّه على سؤال لمراسل "هيئة البث الإسرائيلية" إنه "يأمل في إقامة تعاون ثقافي بين الرياض وتل أبيب قريباً، ولكن بعد حلّ المشاكل العالقة".
يختزل مؤيّدو التطبيع في الخليج سبعين عاماً من الاحتلال والمجازر والسلب والنهب باعتبارها مجرّد سوء فهم بين ديانتَين أو خلاف بين شعبين لا تجمعهما صلات رغم أنهما يتواجدان في المنطقة نفسها، وفق مسوّغات يقدّمها هذا الفريق، حيث دعا الأمين العام لـ"رابطة العالم الإسلامي" التابعة للسعودية، محمد العيسى، إلى إرسال وفد حوار أديان إلى القدس من أجل "نشر قضية السلام والبحث عمّا هو مشترك بين الأديان".
تقابل هذه الهرولة نحو التطبيع مع "إسرائيل" فعاليات ودعوات منددّة في جميع البلدان الخليجية بأي تقارب مع العدو، إذ لاقت حملة توقيعات انطلقت إثر زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى مسقط في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي تفاعلاً واسعاً، خصوصاً في وسم #خليجيون_ضد_التطبيع على موقع تويتر؛ حيث دعا كثيرون إلى إعادة تفعيل قوانين مقاطعة الكيان الصهيوني، وعدم السماح للإسرائيليين بالمشاركة في أي فعاليات في دول الخليج، ومعاقبة كل من يخالف ذلك.
من جهة أخرى، شكّلت حادثة اغتيال الكاتب السعودي جمال خاشقجي داخل مبنى سفارة بلاده في إسطنبول في الثاني من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي صدمةً كبرى للمجتمع الدولي. وإن كان خاشقجي كتب في آخر مقال له بأن "أَمَسُ ما يحتاجه العالم العربي هو حرية التعبير"، فإن ثمن المطالبة بها يبدو وقد أصبح باهظاً، كما توضّحها جريمة اغتياله وأسلوب تنفيذها.
وفقدت الثقافة الخليجية العديد من المبدعين، من بينهم الروائي العُماني أحمد الزبيدي (1945 - 2018) الذي بدأ نشاطه السياسي المعارض في ستينيات القرن الماضي؛ حيث تعرّض بسببه للسجن والنفي قبل أن يدخل في عزلته التي لازمته حتى رحيله متفرّغاً للكتابة.
وأيضاً رحل الروائي الكويتي إسماعيل فهد إسماعيل (1941 - 2018) الذي تناولت أعماله الواقع السياسي والاجتماعي في العالم العربي، من خلال رصده علاقة الفرد بالسلطة وتداعيات هزيمة حزيران، والحرب الأهلية اللبنانية، والمقاومة الفلسطينية والتحوّلات في مصر بعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد.
في الكويت أيضاً، أقام الفنّان محمد شرف في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي نصباً يضمّ مقبرة رمزية على شواهد قبورها بعض عناوين الإصدارات الممنوعة في بلاده، والتي تجاوزت أربعة آلاف وثلاثمئة، وقد أُطلقت عدّة حملات ونُفّذت احتجاجات أمام وزارة الإعلام تطالب بوقف "التعدّي العشوائي والرجعي" على الكتاب.
بعد قرابة عامَين من الحصار على قطر، تواصل الثقافة مراكمة منجزاتها، حيث شهدت بداية العام افتتاح "مكتبة قطر الوطنية" وفق أعلى المواصفات العالمية لهذا النوع من الصروح، وشهد ختامه إطلاق "معجم الدوحة التاريخي للغة العربية" وهو ما يمكن اعتباره الحدث الثقافي الأبرز عربياً في 2018.
وانعقدت الدورة التاسعة والعشرون من "معرض الدوحة الدولي للكتاب" في تشرين الثاني/ نوفمبر، وتضمّنت برنامجاً ثقافياً ثرياً ومتنوّعاً، كما شهدت مشاركةً واسعة، رغم الحصار؛ حيث شارك ثلاثون بلداً بـ 427 دار نشر توزّعت بين 975 جناحاً على مساحةٍ هي الأكبر في تاريخ المعرض.
كما نظّمت "جائزة كتارا للرواية العربية" الدورةَ الرابعة من مهرجانها الذي احتفت بتجربة الروائي الفلسطيني الشهيد غسان كنفاني (1936 - 1972)، وجرى توزيع الجوائز في فروعها المختلفة. كما وزّعت "جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي" التي باتت تعد من أبرز جوائز الترجمة التي تمنح عربياً.
وواصلت "المؤسّسة العامة للحي الثقافي/ كتارا" برنامجها السنوي، الذي ضم "مهرجان كتارا الأفريقي"، و"مهرجان الجاز الأوروبي"، و"كتارا لآلة العود"، إلى جانب معارضها التشكيلية وندواتها الثقافية وحفلاتها الموسيقية المنتظمة طوال العام.
وأقام "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" عدّة مؤتمرات وندوات خلال السنة الماضية، منها: الدورة الخامسة من "منتدى دراسات الخليج والجزيرة العربية" الذي ناقش الهوية والعلاقة مع أميركا، والمؤتمر السنوي الخامس للدراسات التاريخية بعنوان "سبعون عاماً على نكبة فلسطين: الذاكرة والتاريخ"، ومؤتمر "العرب والهند: تحوّلات العلاقة مع قوّة نائشة ومستقبلها"، إضافة إلى عشرات الكتب النوعية التي أصدرها المركز في 2018.
كما نُظّمت احتفالية العام الثقافي "قطر- روسيا 2018"، والتي شهدت تنظيم معارض تشكيلية وحفلات موسيقية ومحاضرات وعروض سينمائية في البلدين، من أبرزها "معرض اللؤلؤ: كنوز من البحار والأنهار" في موسكو، و"معرض الفن المعاصر والتصوير من قطر" الذي أُقيم على هامش منتدى سانت بطرسبرغ الثقافي الدولي، إضافة إلى مشاركة روسيا في "معرض الدوحة الدولي للكتاب" 2018 كضيف شرف، وتمّ تنظيم عروضٍ موسيقية قدّمتها "فرقة باليه إيغور موسييف" في قطر، و"معرض الفن الروسي التجريبي" الذي نُظّم بالتعاون مع "متحف تريتياكوف الحكومي"، والذي يستمرّ حالياً في "مطافئ: مقرّ الفنانين".
ونظّم "المتحف العربي للفن الحديث" عدّة معارض في الموسم الماضي، من بينها: "أجيال الثورة" الذي سلّط الضوء على تحوّلات بارزة في تاريخ الفن الحديث والمعاصر منذ الاستقلال حتى الانتفاضات العربية عام 2011، ومعرض "فاتح المدرّس: اللون والامتدادية والحس" الذي استكشف أعمال الفنان السوري الراحل (1922 - 1999)، و"جاسم زيني: تصوير وتجريد" الذي قدّم تجربة الفنّان القطري الراحل (1942 - 2012).