ثلاثون قطعة فنية متفاوتة الأحجام تتحاور في ما بينها؛ هو الحوار الأزلي بين "الخير والشر" بين الإيجابي والسلبي، في حياة الفرد ومحيطه؛ يبدأ يداليان حديثه لـ"العربي الجديد" بالقول إنه يتقبّل الانتقاد ليقدم الأفضل وليس العكس، منحوتاته البرونزية تختصر واقع الاستمرار والتحدي من جهة والعقبات أو الهزائم التي يواجهها الفرد أو المجتمع من جهة أخرى.
شخوص الفنان السوريالية غير متوازية في التشكيل، لكنها متناسقة كعمل فني، متشابهة بأعناقها الطويلة ونظراتها الثابتة، كأنها تحاور المتلقي، بشقيها الإيجابي والسلبي، فنجد الخط الفاصل المكرّر في كثير من الأعمال المعروضة، التي يقول عنها: "إننا كبشر بحاجة إلى مواجهة أخطائنا والاعترف بها وتقبّل الانتقادات كي نكتشف موضع الخلل، وبحاجة لإرادة لنستمر ونتعلّم من أخطائنا، فلا يستطيع الفرد أن يستمر دون الأمرين؛ الاعتراف والإرادة".
في ما يخص التقنية التي يستخدمها يداليان، فقد ترك ليده حرية الحركة والبناء؛ خلف الألوان توجد خربشات وخطوط تأسيس العمل، التي يعيد إبرازها بخطوط أقوى، لتعطي بذلك بعداً مختلفاً للمعنى، كما يوظّف الفراغات التي تجعل للأجسام المرسومة مساحة من الحرية حتى وهي في إطارها.
ألوانه الباردة التي تغطي الشخوص المرسومة، يعتبرها الفنان ألوان النقاء التي يبدأ بها الإنسان مسيرته، ليضيف إليها بعض الألوان الدافئة كنوع من النضج، فهذه هي المرة الأولى التي يُدخل اللون إلى أعماله، إضافة إلى المواد المختلفة التي اعتلت بعض الوجوه، كنوع من التجديد في تجربته.
رغم التشابه الكبير بين الأعمال، فلا شك أن لكل منها خصوصية من ناحية المضمون والأبعاد، في بعض الأعمال تظهر امرأة وحيدة بذراع عارية وطويلة، وفي لوحة أخرى تظهر جموع من البشر لهم نفس الملامح (نفس وجه المرأة أيضاً) التي تذكّر بشخصيات الأيقونات القديمة، وجه لإنسان يتألم. بعض الشخصيات تضع أيديها على أذنيها كأنها تحاول ألا تسمع شيئاً فظيعاً، وبعضها الآخر يضع يديه على عينيه كأن شيئاً مفزعاً يحدث أمامه.
لا يكتفي يداليان (الصورة) بأن تكون الشخصيات هذه داخل اللوحة، بل يعمل على تجسيدها بنفس بؤسها ونحافتها ومخاوفها في منحوتات تقف أمام الأعمال التشكيلية، كأن الفنان يريد أن يراها داخل الإطار وخارجه في آن.
يشار إلى أن يداليان يعمل أستاذاً للرسم في جامعة "هايكازيان" في بيروت، وله العديد من المشاركات في معارض فردية وجماعية، إضافة إلى مجموعة من الأعمال الدينية المختلفة ومنها لوحة القديس الأرمني "مالويان" والتي اعتمدها الفاتيكان طابعاً بريدياً.