فاوست آخر الزمان

06 نوفمبر 2016
نغوين مانه هونغ/ فيتنام
+ الخط -

ما الذي يحدث حين ينتحل عربيٌّ شخصية د. فاوست الألماني وصفقته الشهيرة مع الشيطان؟ هل سيتنازل لهذا الأخير، كما فعل الألماني، عن روحه لقاء هبة المعرفة والسلطة التي تعهّد الشيطان بتمكينه منها؟ أم أنه لا يملك ما امتلك الألماني فيجد الشيطان لديه شيئاً آخر يطلبه؟

د. فاوست كان أحد علماء القرون الوسطى المشتغلين بالعلوم الحديثة، الكيمياء والفيزياء وبقية العلوم الطبيعية، ولكن جيرانه من الفلّاحين البسطاء في ذلك العصر المظلم ظنّوا أنه يشتغل بالسحر، وأثارت أخيلتهم عزلته، وتجنّبه الاختلاط بهم، فاخترعوا عنه تلك الأسطورة؛ أسطورة تحالفه مع الشيطان الذي مكّنه من هذه المعارف التي يجهلون كيف حصل عليها، معارف لم يشكّوا أن ثمنها كان روحه التي قدّمها راضياً لقاء حصوله على معرفة عجيبة لم يتسنّ لعقولهم البسيطة والغارقة في خرافات ذلك العصر تفسير مصدرها الحقيقي.

إذاً، كان د. فاوست مطلعَ عصر العلم الحديث الذي واجهه عصر الخرافة بالتفسير الوحيد الذي وفّرته له تعاليم كهنة تلك الأيام، فلم يفهم شيئاً من تصرّفاته وعكوفه على تجارب استمدّها من أنوار شرق بعيد، من علومه وكشوفاته العريقة، في وقت كانت فيه أوروبا غارقة في ظلامها.

ولكن من هو فاوست العربي المعاصر؟ هو بالتأكيد ليس مطلعَ عصر علم ولا معرفة، بل هو أشبه بإنسان أفقده عصر انحطاط طويل روحه، وأضاعت ميراثه ظلمات وراء ظلمات خلّفها ذلك العصر بعد غياب شمس الحضارة العربية.

لهذا، لا نتوقّع أن يطلب منتحلٌ من هذا النوع ما طلبه فاوست الأسطورة القروسطية/ الأوروبية، بل سيطلب بداهةً أبرز ما تبقّى له وتوارثه؛ تلك الصور الخالدة التي ظلّت ترسمها في ذهنه قصص ألف ليلة وليلة عن الذين تهبط عليهم الثروات بالمصادفة، باصطدام محراث بحلقة معدنية فإذا هي بوابة كنز، أو بالعثور على مصباح سحري يخرج منه جنيٌّ طيب يستجيب لطلبات من يجده ويحكّه مصادفةً.

إذاً، لن يطلب فاوست العربي علماً ولا معرفة حين يعقد صفقته مع الشيطان؛ فما حاجته إلى العلم؟ بل سيطلب ما يشغل ذهنه: مالاً وأطايبَ طعام، وقصراً ربما، وسرباً من الجواري. ولكن ماذا سيطلب الشيطان مقابل هذه المطالب الأهون عليه من مطالب فاوست الألماني؟

وفق واقع الحال، وبما ينسجم مع تأمّله في وضعية هذا الذي استحضره، لن يطلب روحه، لأن هذا، كأي منتج غائب عن أي فعالية حضارية منذ زمن طويل، من المؤكّد أنه لا يملك روحاً يبادلها؛ فروحه غادرته منذ زمن طويل أيضاً، ونسي حتى وجودها في ماضيه. ولا شيء لديه إلا طبيعة خام ظلّت تحت قدميه بفضل وجودها الطبيعي، لا بفضل عبقريته.

أرض يجهلها وتجهله لأنه لم يمرّ بيده وفكره إلا على سطحها، وسيجد الشيطان أن لا مناص من طلب هذه الأرض، وسيقول له بكل بساطة، "تنازل لي عن هذه الأرض ولك كل ما تشتهي، هذا هو شرطي"، فيرد العربي شبيه فاوست، أو منتحل شخصيته، ببساطة أيضا "لا مشكلة.. ستكون لك"، ظانّاً أنه استغفل الشيطان، فهذه الأرض شيء آخر غير ذاته العزيزة؛ الذات التي ستتمتّع بكل الأطايب القادمة التي وعده بها الشيطان الأبله.

هكذا تسير الحكاية، أو هكذا هي سائرة الآن، ونحن نرى شبيه فاوست الزائف يعلن، في أكثر من وعر ومن فوق أكثر من تلّ عربي، أنه مستعد للتحالف مع الشيطان، وحوله جوقة مسلّحة لا تسأل عن الثمن الذي سيفرضه هذا الحلف، بل ينصرف همّها وهمّ صاحب الإعلان إلى ما ستأتي به الصفقة مع من ظنّته فاعل خير، كما في حكاياتها الموروثة وخرافاتها.

المساهمون