وجوه صديقة للأرض

عندما تمرّ من جانبها تتملّكك رغبة شديدة في الاقتراب منها والتمعّن في وجهها. فالمرء لا يرى أم كلثوم في الأمم المتحدة عادة، لكنها تحضر هنا في لوحة "بورتريه" للفنان الإيطالي فابرزيو روغيروا، وهي مأخوذة عن إحدى صورها الشهيرة.

تقف "السيدة" أمام شباك زجاجي واسع تزيّنها ألوان داكنة وقوية. ولا تقف أم كلثوم وحدها، بل مع 15 بورتريه آخر لأيقونات من عالم الفن والأدب تأتي من القارات الخمس، جميعها من المواد الطبيعية. كما استخدم الفنان الإيطالي في إنجازها تقنية مشابهة لتقنية الرسم الجداري القديمة (fresco) إضافة إلى التكنولوجيا.

اللوحات تأتي ضمن معرض بعنوان "القوة التحويلية للفن" الذي تنظمه الأمم المتحدة في إحدى القاعات المفتوحة للزوار في مقرّها في نيويورك. ويأتي ضمن حملة "2015: حان الوقت لتحرّك عالمي". وهكذا دخلت في هذه البورتريهات عناصر طبيعية كالخشب والرمل، وحاكت تضاريس الطبيعة في نتوءاتها، التي تتضح فقط عند الاقتراب منها.

إضافة إلى البورتريهات تضمّن المعرض، منحوتات فنية عديدة وزهوراً مجففة للفنانة الإيطالية نينا موزي. وكما البورتريهات، راعت المنحوتات مبدأ الحفاظ على البيئة، فاعتمدت على إعادة استخدام مواد كورق الصحف الذي تم تدويره.

لكن ما العلاقة بين أم كلثوم وبين شخصيات البورتريهات الأخرى في المعرض؟ إذ حضرت وجوه مثل الكاتبة الأميركية السوداء مايا آنجلو والفنانة الجنوب أفريقية الشهيرة مريام ماكيبا والممثلة البريطانية أودري هبيرون والمدوّنة والناشطة الباكستانية مالالا يوسف زاي والفيلسوف الفرنسي إدغار موران وآخرين.

كان لكل شخصية منها، بحسب القائمين على المعرض، تأثير في مجتمعاتها، تجاوز ما قدّمته من إبداعات في عالم الفن أو كناشطين وناشطات في قضايا معينة، إلى خدمات اجتماعية أو مادية كرّست من خلالها الكثير من وقتها وثروتها للمهمّشين في الأرض.

وورد في تقديم المعرض "إنها شخصيات تجسّد ضرورة وضع الناس في مركز اهتمامنا عندما نحافظ على الأرض".

حاول الكاتالوغ المرافق للمعرض إحاطة الجمهور بأهمية أم كلثوم وموقعها الاستثنائي في الثقافة العربية: "أغانيها وصوتها يحرّكان مشاعر عميقة لدى الكثيرين. كما أنها تبرّعت بمعظم ثروتها للفقراء. وعندما توفّيت حضر جنازتها أكثر من أربعة ملايين شخص".

ومن الغريب أن المعرض الذي يركّز على ثيمة البيئة لم يطبع كاتالوغه على ورق مدوّر أو صديق للبيئة التي يرمي إلى الحفاظ عليها!