رحيل روني بوري.. مخلّد غيفارا

25 أكتوبر 2014
تصوير: ساندرو كامباردو
+ الخط -

من منّا لا يتذكّر الصورة الأيقونة لتشي غيفارا وهو يدخّن السيجار الكوبي؟ التقطت هذه الصورة في هافانا عام 1963 بعدسة الفنّان والمصوّر السويسري روني بوري، الذي توفي أول أمس عن 81 عاماً.

يعدّ بوري (1933) أحد أبرز مصوري وكالة "ماغنوم"، واحدة من أهم وكالات الصّور العالميّة التي سطع نجمها في ستينيّات وسبعينيّات القرن الماضي. ويُحكى أنّه التقط أولى صوره النّاجحة لرئيس الوزراء البريطاني الرّاحل وينستون تشيرتشل وهو في سيّارة ليموزين عندما كان في زيارةٍ عابرةٍ لزيوريخ.

ورغم أنّه درس الفنون التشكيلية غير أنّه صبّ اهتمامه على فنّ التّصوير مدفوعاً برغبةٍ جارفةٍ للسّفر واكتشاف العالم عبر الكاميرا. وكما قال بنفسه متحدثاً عن تلك الفترة: "أتاحت لي آلة التصوير مبكراً أن أضع أنفي بسهولة في قصص الآخرين".

جال بوري القارات الخمس بلا كلل ووضع قلبه أيضاً في قصص الآخرين، فغطى الحروب والثورات والمجاعات في آسيا وأميركا الّلاتينية وأفريقيا والمنطقة العربية. وكانت لكوبا مكانة خاصّة في قلبه، فخصص لها مئات الصور في فترة الستينيّات ملتقطاً عوالمها الثوريّة ومشاهد العيش اليوميّة المختلفة للكوبيين.

وفي العام 1966 زار مصر، وشاءت الصّدف أن يلتقي بجمال عبد الناصر أمام المصعد في أحد فنادق القاهرة فالتقط له الصوّر. وتمكّن من إقناع أنور السادات وريشارد نيكسون مع زوجتيهما بالتقاط صورة لهم أمام أهرامات الجيزة في العام 1974. وتردّد على مقهى "ريش" وقابل نجيب محفوظ وأدخله ألبوم صوره. قادته أسفاره إلى الصين، حيث عاش فيها شهوراً وجال مدنها وقراها النائية.  وقدّم الصّين في تحقيق مصوّر عنها لمجلة "لوك" الأميركيّة.

كان لوقع صوره وتحقيقاته الفوتوغرافية أثر خاص بفضل أسلوبه المتفرد، ممّا جعل كبريات الصّحف والمجلّات تتهافت على نشرها. فقد كان بوري فناناً مهووساً بعمله، وحرص دائماً على فهم العالم وتقديمه للآخرين، باحثاً عن مسافةٍ مناسبةٍ وضروريةٍ وكادرٍ ملائمٍ ودقيق، تفاصيل ساعدته على التقاط الشرارة التي تمنح الصورة الخلود.

لسنواتٍ طوال اكتفى بوري بالتصوير بالأبيض والأسود، لكنّه لاحقاً بدأ التصوير بالألوان. كان مولعاً بالفن التجريدي وتعامل مع الصّورة في بعض تحقيقاته باعتبارها تمارين تجريديّة.

وعلى العكس من صديقه المصوّر الفرنسي هنري كارتييه بروسون (الذي التقط صور المهاتما غاندي الأشهر)، لم يكن بوري يبحث عن "اللّحظة الحاسمة" لالتقاط الصّورة، بل كان يسعى إلى التقاط ما وصفه بـ" سلسلة لحظات متلاحقة". كأنه بذلك يكشف حركة الزمن في الصورة، جاعلاً منها قصّة وليست لقطة. 

الطريق الذي سلكه بوري في فن الفوتوغراف كان يسعى لترميم الحركة في الصورة، ووسيلةً للحفاظ على الذبذبة الإنسانّية فيها. وهنا يكمن الجانب الآخر من شخصيّة هذا الفنّان.  فإلى جانب القدرات والخصال المهنيّة كان بوري معروفاً بمزاجٍ رهفٍ وحسٍّ إنسانيّ عميق يدفعه بشكل غريزي إلى الدّنو ممّا يريد التقاطه بالكاميرا، حدّ التّماهي أحياناً مع موضوع الصّورة. 

المساهمون