هموم شعرية: مع مها العتوم

05 مايو 2021
(مها العتوم)
+ الخط -

تقف هذه الزاوية مع شاعر عربي في علاقته مع قارئه وخصوصيات صنعته، لا سيما واقع نشر الشعر العربي المعاصر ومقروئيته. "أتمنى أن أظلّ قادرة على الحفاظ على هذه المعادلة الصعبة بين جذب القارئ والحفاظ على المستوى الفني والجمالي" تقول الشاعرة الأردنية.


■ من هو قارئك؟ وهل تعتبرين نفسك شاعرة مقروءة؟

- يكتب الشاعر وتكتب الشاعرة لقارئ ما متخيّل، بمواصفات لا بدّ من أن تكون بمستوى المقروء. وقارئي المتخيّل والحقيقي من يبحث عن الشعر الحقيقي، وهذه مسألة ليست سهلة على الإطلاق، لأنّ بعض هذا الشعر لا يناسب ذائقة الجميع، خصوصاً أنّ عموم القرّاء ممن يمتلكون ذائقة تقليدية تفتّش عن القيم الشعرية المعروفة والمتداولة، وقد لا يُقبلون على الجدّة والحداثة والحساسية الشعرية المختلفة عمّا رسب في ذائقتهم ومخيلتهم، ومع ذلك فهذا رهان الشاعر على اجتذاب هذا القارئ إلى قصيدته، وإقناعه بها، من دون أن يتنازل عن مواصفاته الفنية العالية، ويحسن الإمساك بهذا الخيط الرفيع بينه وبين القارئ. بالنسبة إليّ، أعتبر نفسي مقروءةً نسبياً، وأتمنى أن أظلّ قادرة على الحفاظ على هذه المعادلة الصعبة بين جذب القارئ من جهة، والحفاظ على المستوى الفني والجمالي من جهة أخرى.


■ كيف هي علاقتك مع الناشر؟ هل لديك ناشر وهل هو الناشر الذي تحلمين به لشعرك؟

- في عالمنا العربي لا يحظى الشاعر بهذه الرفاهية، وأقصد أن يكون لكلّ شاعر أو شاعرة دار نشر يتوافقان على الرؤى والتوجّهات، لأنّ الناشر في أوطاننا ليس ناقداً بقدر ما هو تاجر يبحث عن الكاتب الذي تبيع كتبه أكثر بصرف النظر عن المحتوى الفني والجمالي، وهذا ليس حكماً عامّاً على الجميع، وإنّما هذه هي الصورة العامة، وقد تعرّضت كثيراً إلى هذا السؤال في المهرجانات الدولية: من ناشرك؟ ومن مدير أعمالك؟ أتمنى أن تتطوّر الصناعة الثقافية في بلادنا إلى هذا المستوى الحضاري، الذي يحظى فيه الشاعر بأقل حقوقه المادية والمعنوية، من خلال دار نشر وناشر يتبنّى أعماله وتوجهاته.

معظم من يقرأ في أيّ مجال معرفي أو ثقافي يبحث عن الشعر

■ كيف تنظرين إلى النشر في المجلات والجرائد والمواقع؟

- لا بدّ للشاعر والشاعرة من النشر، فهو اختبار لما نكتب، وهو ضروري إذا أراد الشاعر تلمّس ملامح المشهد الثقافي حوله، ليعرف مكانه، وما يريد الوصول إليه أو تجاوزه أو الابتعاد عنه وتجنبه، ولذلك أنا أنشر، لكنّي لا أُكثر من النشر، لأنّي وقعت كثيراً في فخّ النشر المباشر من دون مراجعة قد تجعلني أمزّق النص أحياناً، أو حذفه عن جهاز الحاسوب في هذا الزمن الإلكتروني، ومع ذلك فإنّي أنشر في الجرائد والمجلات والمواقع من حين إلى آخر، لكنّي في الوقت نفسه أختار جيداً الجهة التي أنشر قصيدتي فيها، احتراماً للشعر ولذاتي.


■ هل تنشرين شعرك على وسائل التواصل الاجتماعي؟ وكيف ترين تأثير ذلك في كتابتك أو كتابة زملائك ممن ينشرون شعرهم على وسائل التواصل؟

- نعم، أنشر على مواقع التواصل الاجتماعي، التي أصبحت تحتلّ المرتبة الأعلى في النشر، وأنا أجد فيها مناخاً مناسباً وسريعاً ومباشراً لاختبار نصوصي عبر قرّاء وأصدقاء يتفاعلون مباشرة مع ما أكتب، والحقيقة أنّ هذه المواقع قلبت الطاولة على الجرائد والمجلات، وصارت تحتلّ المرتبة الأولى على ما فيها من محاذير، لكن صار بوسع القصيدة أن تنتشر في العالم، وتصل إلى أبعد الأصدقاء والقراء في لحظة، وهذا يسهم في التفاعل بين الشعراء من جهة، وبين الشعراء والقراء من جهة أخرى.


■ من هو قارئ الشعر العربي اليوم في رأيك؟

- قارئ الشعر العربي كثير ومتعدّد، لأنّ الشعر رئة يتنفّس بها الناس عموماً، ومعظم من يقرأ في أيّ مجال معرفي أو ثقافي يبحث عن الشعر، لكن هناك مستويات للقرّاء، وهذا شيء طبيعي موجود في كلّ المجتمعات، فهناك القارئ التقليدي الذي يبحث عن شعر يلبّي القيم الشعرية الراسبة والراسخة في مخيلته، وهناك القارئ الحداثي الذي يدرك سيرورة الزمن وتطور القيم الفنية والجمالية ويبحث عمّا يوافق مفهومه للشعر، وكلّ يجد ما يفتّش عنه في النهاية.

حياتي ذاكرة والكتابة نسيانها - القسم الثقافي

■ هل توافقين على أنّ الشعر المترجم من اللغات الأخرى هو اليوم أكثر مقروئية من الشعر العربي؟ ولماذا؟

- لا يُفترض أن يكون الشعر المترجم أكثر مقروئية من قبل جمهور الشعر، لعلّ الشعراء هم من يتوجهون إلى قراءة هذا الشعر، والاعتداد بذلك على حساب قراءتهم للشعر العربي في مراحله كلّها، ولعلّ هذا مرتبط بعقدة النقص إزاء ذلك الشعر، مع أنّ من الضروري قراءة الشعر المترجم، لأنّه إطلالة على الحساسيات الأخرى، والثقافات، والشروط الفنية والجمالية في تطوّرها وسيرورتها.


■ ما هي مزايا الشعر العربي الأساسية؟ وما هي نقاط ضعفه؟

- مزايا الشعر العربي كثيرة، صنعها كلّ التاريخ الشعري العربي منذ العصر الجاهلي إلى اليوم، وهي مزايا تتعلّق بالبصمة التي يتركها كلّ شاعر حقيقي، ولذلك ليس من السهل تعداد هذه المزايا، لأنّنا نملك إرثاً كبيراً من الشعر الحقيقي العالي على مرّ التاريخ وصولاً إلى هذا اليوم. والعيوب كذلك كثيرة تتعلّق بالشاعر نفسه ومدى جدّيته في العمل على مشروعه الشعري، وهذه ليست عيوباً تخصّ الشعر نفسه، بقدر ما تتعلّق بمن يحمل الرسالة الشعرية بكلّ أطرافها من الشاعر إلى المتلقي إلى الظروف العامة المحيطة بجوانب الشعر والمشروع الشعري لكلّ شاعر وشاعرة.

لا يوجد شاعر واحد يمكن أن يواجه كلّ أسئلة الواقع العربي

■ شاعر عربي تعتقدين أنّ من المهم استعادته الآن؟

- كلّ شاعر حقيقي نتمنى استعادته، وكلّ من ترك أثراً وإرثاً حقيقياً، خصوصاً أنّنا في زمن يعجّ بالفوضى، ولا يوجد شاعر واحد يمكن أن يواجه كلّ أسئلة الواقع الذي نعيشه في بلداننا العربية هذه الأيام. وفي الوقت نفسه، أرى أنّنا بحاجة إلى شعراء من صلب اللحظة والظروف التي نواجهها اليوم، وهذا موجود الآن وغداً، وليس في الماضي. ومع ذلك يخطر في بالي الشاعر أمل دنقل.


■ ما الذي تتمنينه للشعر العربي؟

- أتمنى للشعر العربي أن يحظى بما يستحقه من اهتمامٍ وعناية، من قبل القرّاء والناشرين والنقّاد والمؤسسات الثقافية المختلفة في الوطن العربي.


بطاقة

شاعرة وأكاديمية أردنية من مواليد جرش عام 1973. أصدرت عدّة مجموعات شعرية هي: "دوائر الطين" (1999)، و"نصفها ليلك" (2006)، و"أُشبه أحلامها" (2010)، و"أسفل النهر" (2014)، و"غُرَف علوية" (2019)، كما صدرت لها مختارات بعنوان "حياتيَ ذاكرة والكتابة نسيانها" (2020/ الصورة)، إلى جانب كتبٍ وأبحاث نقدية منشورة في مجلات عربية وعالمية محكمة، كما حازت جائزة الدولة التقديرية للآداب/ حقل الشعر في الأردن عام 2017.

وقفات
التحديثات الحية
المساهمون