ميشيل ماكاريوس: مديحٌ للغامض والضبابيّ في الفن

21 ديسمبر 2022
عمل للمصوّر الفوتوغرافي التشيكي يوزف سودك
+ الخط -

"لا يتمتّع الضبابيُّ بسمعة طيّبة في بلد ديكارت. فهو ــ بعكس الوضوح الذي يتّصف به الفكر التحليلي ــ علامةٌ على فكر مشوّش. لكنْ وحدها الضبابية الفنّية تبدو وكأنها تستفيد من استثناءٍ هنا، رغم أنه استثناءٌ يقوم على السخرية".

بهذه الكلمات، يفتتح الناقد الفنّي الفرنسي ميشيل ماكاريوس كتابَه "تاريخٌ للضبابيّ: على حدود المرئيّ"، الذي صدر للمرّة الأولى عام 2016، وها هي منشورات "دو فيلان" في باريس تُعيد نشره في طبعة جديدة.

العمل عبارةٌ عن مشروع لم يُتَح للمؤلّف إنهاؤه، حيث رحل عام 2009 بينما لم يضع منه إلّا ثلاث مقالات، إلّا أن هذه المقالات التي يتألّف منها العمل، في صيغتها التي نجده فيها اليوم، تمنحه قوام العمل المتكامل، على الأقلّ من الناحية التاريخية، حيث يُعالج فيه الكاتب تاريخ الضبابيّ والغامض وغير الواضح في الفن منذ النهضة وحتى التصوير الفوتوغرافي وأعمال الفيديو المعاصرة.

الصورة
الضبابي

يمثّل العمل مديحاً للتشوُّش وقلّة الوضوح في الفن، الذي بدأ في رسومات النهضة مع وجوه لشخصيات لم يفصّل الرسّامون في ملامحها، أو ربما وضعوها في اللوحة، وهي ملتفتة إلى مكان لا يُتيح لنا أن نراها، واستمرّ لدى تشكيليّين لاحقين، وخصوصاً لدى الانطباعيّين، الذين سعت لوحاتهم إلى تصوير العالَم الخارجي كما يُدركه المرء بعينيه، لا كما يتطلّب العِلم "الدقيق" تصويره.

ويأخذ ماكاريوس على ذلك عدداً كبيراً من اللوحات، مثل لوحة "كومة قشّ: تأثير الثلج" (1891) للفنان الفرنسي كلود مونيه، حيث يكرّر الأخير في لوحته رؤيتنا المشوّشة لكومة القش، حينما ننظر إليها في يوم غائم ومثلج، وهو ما يُفضي إلى كومةٍ تُراوح بين الزرقة والسواد، نستدّل بعنوان اللوحة للتعرّف عليها وتحديد هويّتها.

ويرى المؤلّف أنّ هذا التوجُّه يستمرّ لدى كثيرين من الفنّانين المعاصرين، ولا سيّما من المشتغلين في التصوير الضوئي، كما في فوتوغرافيا الشارع، التي تسعى لالتقاط الحركة والسرعة في استمراريتهما وعدم ثباتهما، أو في أعمال أكثر كلاسيكية وشعرية، كتلك التي وضعها المصوّر التشيكي يوزف سودك، والتي يرسم فيها، عبر كاميرته، مشاهد يمكن إحالتها إلى ما يُعرَف بالطبيعة الصامتة، لكنّها طبيعةٌ يتقصّد استعراضها عبر الغباش، حيث الأجساد التي نراها من بعيد وهي تمشي في ليل ضبابيّ، أو أُصص الورد وكؤوس الماء التي نحسّ وكأننا نراها من وراء زجاجٍ يحجب عنها تفاصيلها الدقيقة، دون أن يمنعنا من التعرُّف على هويّتها.

المساهمون