مع غزّة: إبراهيم فرغلي

10 ابريل 2024
إبراهيم فرغلي
+ الخط -
اظهر الملخص
- الروائي والصحافي المصري يعبر عن قلقه بشأن مستقبل الوطن العربي وتأثير السياسات الأميركية المؤيدة لإسرائيل، متسائلاً عن مصير أطفال غزة ومؤكدًا على أهمية دور الشباب العربي في مواجهة الدعاية الإسرائيلية.
- يشعر بأهمية الدور الإبداعي في المقاومة ويؤكد على دعم القضية الفلسطينية من خلال الإبداع ونشر السردية الفلسطينية، معتبرًا الإبداع أداة فعالة لتوضيح الحقائق.
- يفضل العمل الإبداعي على النضال السياسي لنقاء غايته ويتطلع لتغيير يعيد العقلانية للمجتمعات العربية، معبرًا عن تقديره لصبر أهل غزة ومؤكدًا على أهمية قضية فلسطين كأعدل قضية في التاريخ المعاصر.

تقف هذه الزاوية مع مبدع عربي في أيام العدوان على غزّة وكيف أثّر على إنتاجه وحياته اليومية، وبعض ما يودّ مشاركته مع القرّاء. "كيف يُمكننا أن نعيش في هذه الغابة مواطنين عرباً؟"، يسأل الكاتب والروائي المصري في حديثه إلى "العربي الجديد".


■ ما الهاجس الذي يشغلك هذه الأيام في ظلّ ما يجري من عدوانِ إبادةٍ على غزّة؟

- هواجس كثيرة في الحقيقة، حول مستقبل الوطن العربي كلّه إذا استمرّت العجرفة الأميركية في حماية الكيان المزروع في المنطقة بهذا المنطق الإرهابي، الذي لم يعُد يعبأ بأيّ قيمة تتعلّق بالكرامة البشرية، وبكلّ ما عملت عليه البروباغندا الأميركية لتسويق أكاذيبها حول الحرّيات والديمقراطية. كيف سنعيش في هذه الغابة مواطنين عرباً؟ كيف سيكون مستقبل المنطقة على يد جيل غزّة من الأطفال الذي شهد هذه المآسي غير المسبوقة؟ وفي الوقت نفسه تشغلني وسائل الشباب العربي في محاولات اختراق هذا الدّرع الصخري المُزيَّف والمُسمَّى "حقّ إسرائيل في الدفاع عن نفسها"، والكيفية التي أمكن له بها صناعة ثقوب تُخلخل أكبر كذبة في التاريخ المعاصر، بالإضافة إلى بدء خلخلة هذا الدّرع من الداخل على يد أفراد من الشعوب الأميركية والأوروبية، وقد أدركوا حَجْم غسل العقل الذي تعرّضوا له.  


■ كيف أثّر العدوان على حياتك اليومية والإبداعية؟

- كان للأحداث في بدايتها أثرٌ كبير في الشعور بعدم جدوى الكتابة أو الأدب أو الفنون إزاء ما يحدُث أمام أعيُننا من عودة البشرية إلى عصر الديناصورات فجأة، وبصَلف ووحشية. ولستُ أعتقد أنّ أحداً في العالَم العربي كان يشعُر في تلك الفترة بالرغبة في عمل أيّ شيء سوى مُتابعة ما يحدُث، ومحاولة المساهمة في فَضْح الفُجور الصهيوني بأقصى ما يملك من طاقة، إضافة إلى مواجهة سرديّات تخوين المقاومة، لكن بمرور الوقت استعدتُ الإحساس بأهمّية الدّور الإبداعي في المقاومة وضرورته في توضيح حجم الكذبة الصهيونية في العالَم، أيضاً أثّر العُدوان في فهمي للواقع على الأرض، في مفهوم المقاومة الوطنية التي قد تغدو موضعاً لإجماع كل فئات المجتمع الذي يئس من اللغو والكلام، وبات ينتظر فعلاً يستعيد به قدراً من حقوقه المُستباحة ولو معنوياً. 

أمام أعيُننا عادت البشرية فجأة إلى عصر الديناصورات 


■ إلى أي درجة تشعر أن العمل الإبداعي ممكنٌ وفعّال في مواجهة حرب الإبادة التي يقوم بها النظام الصهيوني في فلسطين اليوم؟

- إلى أبعد مدىً مُمكن؛ أقمتُ ورشة لكتابة قصص عربية عن فلسطين إيماناً بأهمية الإبداع في نشر السردية الفلسطينية، وأتمنّى أن أتمكّن من نشر كتاب عن هذه التجربة في أقرب فرصة؛ قصص عربية بأقلام عربية عن فلسطين. أظنّني أيضاً سأسعى لإنهاء رواية عن فلسطين، انطلاقاً من يقيني بالدور المهمّ للإبداع في دعم مستقبل القضية الفلسطينية. لقد تبيّن لنا خلال الفترة الأخيرة أنّ العالَم كلّه أصبح يبحث عن الكتب التي تناولت تاريخ اغتصاب الكيان الصهيوني لأرض فلسطين، وفَهْم أبعاد هذا السّطو التاريخي المُسلّح الذي تمّ التمهيد له بترسانة بروباغندا دعائية تضمّنت الكثير من الأعمال الفنّية بالمناسبة. 


■ لو قيّض لكَ البدء من جديد، هل ستختار المجال الإبداعي أو مجالاً آخر، كالعمل السياسي أو النضالي أو الإنساني؟

- أعتقد في الدّور التراكمي للإبداع، مقارنة بالنتائج الوقتية المباشرة للعمل النضالي، بالإضافة إلى أنني أُؤمن بنقاء إخلاص العمل الإبداعي، ونُبل غايته، في حين أن العمل السياسي مع الأسف، قد يتداخل مع البحث عن السلطة أو النفوذ. على الرغم من أهمية العمل النضالي والسياسي بطبيعة الحال، وهو ما نرى أهمّيته الكُبرى اليوم في غزّة، مهما اختلف بعضهم في تقدير حقيقة النتائج على الأرض. فإذا قُيّضتْ لي بدايةٌ جديدة فربّما ستكون في مجال الإبداع، ولكن ربما سيختلف منهج تسويقها، وبحث كيفية توسيع نفوذ تأثيرها. 


■ ما هو التغيير الذي تنتظره أو تريده في العالم؟

- لا أعرف ما طبيعة التغيير الذي يُمكن أن يأمله الفرد بعد مستوى الوقاحة الذي بلغته حكومات أميركا وأوروبا في دعمها السافر للوحشية والأكاذيب الصهيونية؟ ما التغيير الذي نأمله في عالَم لا تملك أكبر إمبراطورية فيه، تزعم أنها إمبراطورية الديمقراطية، إلّا ترشيح اثنين مثل بايدن وترامب لحكمها، ومن ثم للتأثير بسياستها العدوانية المستمرّة تجاه العالَم، خصوصاً الشرق الأوسط. وفي السؤال إجابتي، ومن جهة أُخرى أتمنّى أن تحدُث معجزة تُعيد للعقلانية سطوتها في المجتمعات العربية التي باتت مَطيّة الخرافة والأكاذيب، وساحة للتسلُّط الفردي للشعوب بعضها على بعض، وتسلُّط الحكومات أيضاً، وأن تثوب إلى رشدها، وتتوقّف عن الترويج للإسلام السياسي باعتباره مسألة ديمقراطية.  

قصص عن فلسطين بأقلام عربية هي مشروعي القادم 

■ شخصية إبداعية مقاوِمة من الماضي تودّ لقاءها، وماذا ستقول لها؟ 

- ناجي العلي. ربما سيتعلّق كلامي له حول الكيفية التي أمكَنه بها أن يستشرف الكثير من أحداث المستقبل في رسوماته، وأيضاً أودّ أن أقول له إنّني، مثل ملايين آخرين، مدينٌ له بالكثير من الوعي، وربما سيمضي بيننا الحوار عن سبُل اختلاق "حنظلة جديد" في زمننا الراهن بعد أن ذهب عصر المنابر الإعلامية المحدودة، واختلف منهج التأثير والانتشار وفق مستجدات وسائل التواصل الاجتماعي. كيف يمكن ابتكار حنظلة ما بعد السوشيال ميديا؟ 


■ كلمة تقولها للناس في غزّة؟

- من المُفترض أن نُحاول شدَّ أزركم، وتحيّتكم على نموذج الصبر غير المسبوق الذي قدّمتموه لنا وللعالَم، أو أن نعتذر إليكم عن تخلّي العالَم العربي عنكم، وعدم قدرتنا على فعل شيء لتغيير هذا الواقع المُؤلم، لكنّني أتمنّى أن تثقوا بأنكم علّمتمونا ما لا يُمكن أن تعلّمه لنا الحياة لعقود، وهو دَرْسٌ لنا وللعالم أيضاً، ليس لدي شكّ في أنه سيعيد شرح معنى العدل لقضية فلسطين وللعالَم وترسيخه. عزاؤنا الصادق لكلّ أهاليكم وأهالينا من الشهداء وبالغ ألمنا على التضحيات والألم. 


■ كلمة تقولها للإنسان العربي في كلّ مكان؟

- فَلْيشدّ بعضكم بعضاً، فليس في التاريخ المعاصر أعدل من قضيّة فلسطين. 


■ حين سُئلت الطفلة الجريحة دارين البيّاع التي فقدت معظم أفراد عائلتها في العدوان، ماذا تريدين من العالم، أجابت "رسالتي للناس إذا بيحبوا دارين يكتبوا لي رسالة أو أي إشي".. ماذا تقول لدارين ولأطفال فلسطين؟

- يا دارين، أطفال فلسطين وأنت بينهم، وحدهم الذين خلقوا في أعماقي رغبة صادقة في أنني لو عادت بي الأيام لتمنّيت، أو عملت على أن أكون معلّماً لأطفال فلسطين، لأنهم يستحقّون أن يكونوا أهلَ معرفة، ولأنّهم يُمكن أن يبادلوني التعليم والمعرفة. أطفال غزّة وفلسطين عموماً قدموا للبشرية دروساً لا تقدّر بثمن، كنّا نتمنّى أن نكون في الجوار، وأن نمتلك ولو إمكانية أن "نُطبطب" عليكم ونعزّيكم في فقدكم المروّع وخسائركم في الأهل والأحباب، ونؤكّد لكم أنّ أهلاً وأحباباً يُولدون حولكم كلّ يوم دعماً لمستقبلكم الذي تستحقون.



بطاقة

روائي وصحافي مصري من مواليد 1967، يعمل في إدارة النشاط الثقافي في الكويت حالياً، صدرت له عدّة أعمال أدبيّة بين القصة والرواية، منها: "أبناء الجبلاوي" (2009)، و"معبد أنامل الحرير" (2016)، و"ثلاثية جزيرة الورد" (2017)، و"قارئة القطار" (2021)، و"بيت من زخرف" (2024). حصل على عدد من الجوائز الأدبية، منها: "جائزة ساويرس" عام 2012، و"جائزة نجيب محفوظ" التي يُقدّمها "المجلس الأعلى للثقافة" عام 2023.
 

مع غزة
التحديثات الحية
المساهمون