"متحف كتارا للمحامل" يُبحر في تاريخ السفن التقليدية

09 ديسمبر 2022
من المعرض (العربي الجديد)
+ الخط -

يقدّم "متحف كتارا للمَحامل التقليدية"، وهو متحف مؤقّت افتُتح في الأوّل من الشهر الجاري بالمبنى التاسع عشر في الحي الثقافي بالدوحة، نموذجاً تعريفياً بسفن البحر وأدواته التي استخدمها الأجداد في قطر ومنطقة الخليج، في رحلاتهم للصيد والغوص على اللؤلؤ ونقل البضائع والتجارة والسفر. 

والمتحف، الذي يستمر بالعرض حتى نهاية كأس العالم قطر 2022، في الـ18 من هذا الشهر، عيّنة من المتحف الدائم، ومقرّه في المبنى الثاني والثلاثين من كتارا، ويمنح الزائرين جولةً في تاريخ البحر في منطقة الخليج، حيث اشتُهرت المنطقة بركوب أعالي البحر منذ القِدم، مثلما اشتهر الجانب العربي من الخليج بصيد اللؤلؤ أكثر من الجانب الإيراني الذي لم يتوافر فيه المحار بكثرة، لأنّ مياهه أعمق ممّا هي عليه عند الشط العربي.

السفينة أو المحمل هي عالم البحّارة، وعليها ترسّخت حياةٌ اجتماعية واقتصادية، لم تنقطع حتى الثُّلث الأوّل من القرن العشرين لسببين، أوّلهما وأسبقهما استزراع اللؤلؤ على يد الياباني ميكيموتو كويتشي. صار المحار مثلما نسمع اليوم بأسماك المزارع التي تُسابق الأسماك الطبيعية في الإنتاج، جاهزاً ليعيش في مزارع ويعطينا لؤلؤاً لا نستطيع تمييزه عن الطبيعي بسهولة. أمّا السبب الثاني، فكان بشائر استخراج النفط، المادّة الخام التي تغذّي الصناعة العالمية، وقد جعلت المجتمعات البحرية الخليجية تخرج كلياً من سماتها الطبيعية إلى واقع جديد، لم يعُدِ الرجال يبحرون ستة أشهر بحثاً عن اللؤلؤ، ولم تعد النساء يغنين على السيف (الشاطئ) "توب توب يا بحر".


البغلة
هذه محامل الأشرعة والمجاذيف. نقف أمام نماذج منها، وتمثّل كل وسائل النقل على الماء في الأزمان الغابرة. "البغلة" واحدة منها، وهي من أقدم السفن الشراعية للنقل البحري، ولربمّا استُعير الاسم من الدابّة المعروفة بقدرتها على العمل الشاقّ، وحمل حمولة أكبر من أي حيوان آخر. حيثُ كانت تُستخدم للأسفار البعيدة وحمل البضائع، وهي تشبه السفن البرتغالية القديمة العابرة للمحيطات، وتسبق "البوم" تاريخاً في الإبحار بعيداً، وهذه الأخيرة أيضاً من سفن الغوص والسفر البحري حلّت محل "البغلة" في أواخر القرن التاسع عشر.

المحمل هو السفينة وعليه قام نمط من الحياة الاجتماعية

استخدمت "البغلة" لنقل التمور والخيول العربية وغير ذلك من بضائع تُستورد من الهند، وتراوح حمولتها ما بين مائة وعشرين وأربعمائة طن، ولها ثلاثة صوارٍ، ويُغطّى أسفل السفينة برقائق من النحاس تحميها من التآكل، ومؤخّرتها على شكل مربّع تزيّنه زخارف، وهي ذات شبابيك على الأطراف. ولا يُعرف أوّل من بنى هذه السفن إلّا أنّها موجودة في موانئ الخليج وإيران.


السنبوك
أمّا "السنبوك"، ويسمّى السنبوق أيضاً، فقد اختُلف في أصله، فمنهم مَن يرى أنه يعود إلى سفن المصريّين القُدماء، ومنهم مَن يرى أصله فارسياً. 

ويراوح طولُ "السنبوك" بين أربعين وستين قدماً، وحمولتُه بين خمسة وعشرين وستّين طنّاً. وقد انتشر في الموانئ الخليجية وظهرت منه أشكال وأحجام عدّة، لا يختلف كثيراً بعضها عن بعض، كـ"السنبوك" العُماني، و"السنبوك" اليماني الذي كان يجتاز البحار ليصل إلى الهند وزنجبار، و"السنبوك" الكويتي الذي صُنع خصيصاً لصيد اللؤلؤ.


الجالبوت
موجود بكثرة في دول الخليج، وقد ذهب البعض إلى أنّ أصلَ تسميته إنكليزي؛ نسبة إلى سفن Jolly boat. وهناك من قال إنها من أصل برتغالي نسبة إلى سفينة Galeota، إلّا أنّ ابن بطوطة الرحّالة العربي الشهير ذكر في كتابه: "ركبنا البحر من جدّة في مركب يسمّونه الجلبة"، وهكذا قد يكون اسمه محلياً. 

وكما تعدّدتِ الأسماء، تعدّدت كذلك الوظائف، حيث يستخدم الجالبوت في الغوص وصيد اللؤلؤ ونقل البضائع بين موانئ الخليج، وهو كذلك قارب للرحلات والتنقّلات الشخصية، وتراوح حمولتُه بين خمسة عشر وستين طنّاً.


البقّارة
يرى البعض أنّ اسمها يعود إلى قبيلة البقّارة السودانية على ساحل البحر الأحمر، بينما يرى بعضٌ آخر أنه مشتقٌّ من البقَرة حيث إن رأس مقدّمتها يُشبه رأس البقرة، وهي من السفن التي لم تعد تُرى في موانئ الخليج. 

والبقّارة سفينة شراعية تطوّرت عن سفينة عُمانية قديمة تسمى "البدن"، وكانت تستخدم لصيد الأسماك، ويراوح طول "البقّارة" بين ثلاثين وستين قدماً، وحمُولتها بين عشرة أطنان وثلاثين طنّاً.


البتيل
من أشهر السفن الشراعية وأقدمها وأسرعها، ويقال إنّ تسميتها تعود إلى أسرة هندية تسمّى "باتيل" من كلكتا. ولا تختلف البتيل كثيراً عن البقّارة من حيث الصنع والوظيفة، إذ يراوح استخدامها بين النقل البحري والغوص، ولا تختلفان إلا في شكلَي المقدّمة والمؤخّرة، ويراوح طول البتيل بين خمسين وستّين قدَماً، كذلك تراوح حمولتها بين عشرين وخمسين طنّاً.

يُفرد المعرض جانباً واسعاً لطرائق الغوص واستخراج اللؤلؤ

ويتّخذ رأس "البتيل" شكلاً مميزاً شبيهاً بالكمنجة، وهي بالمُجمل ذات شكل جميل وانسيابي، وأحياناً توجَّه "البتيل" إذا كانت كبيرة بواسطة دفّة متوازنة ذات عجلة، أما الصغيرة منها فتُوجَّه بالمجاذيف أو الأشرعة. وقد استخدم بعض القراصنة "البتيل" للسطو على السفن التجارية العابرة نظراً لسرعتها، واعتبرها البحّار أمير الغوص لدورها المهمّ في رحلات البحث عن اللؤلؤ، وقد توارت عن الأنظار منذ حوالى سنة 1940. لا ننسى بالطبع بين سفن القرصنة سفينة "المراكبي" أو"البريق".

هناك سفن أُخرى بالتأكيد لم تكن مخصّصة للسفر بعيد المدى، مثل "البلم"، وهي من سفن الإنقاذ، و"الحصاية" لنقل الصخور البحرية، و"الكيت" من سفن الإنقاذ التابعة للسفن الكبيرة، و"العبرة" ومن اسمها يتبيّن أنها للعبور بين الجُزر، و"الهوري" لصيد الأسماك، و"الشوعي" للغوص وصيد الأسماك.


صيانة السفينة
يقدّم المعرض الأدوات التقليدية التي كانت تصنع ومن ثم تعنى بالسفينة. ونظراً لعدم توافر وسائل ميكانيكية في الماضي، فإن صناعة السفن تجري بأدوات يدوية وخامات خشبية، وليف وأقمشة متينة للأشرعة وما إلى ذلك، ويسمّى صناع السفينة "القلاف" والجمع "قلاليف". ولرفع السفينة على الشاطئ لإجراء عمليات الصيانة والإصلاح الدورية، يقترب الصيّادون قدر الإمكان في أثناء عملية المدّ، فإذا أخذ الماء ينحسر في ما يُعرف بالجَزر تستقرُّ السفينة على القاع، وتُجرى عملية التنظيف والصيانة والإصلاح.

الصورة
من المعرض (العربي الجديد)
من المعرض (العربي الجديد)

وكان خشب الساج المجلوب من الهند وشرق أفريقيا أفضل أنواع الأخشاب المُستعمَلة في صناعة السفن، وقد استُعمل القدوم بمهارة فائقة في تشذيب وتكييف الأضلاع والقواعد. وقبل وصول الأوروبيين إلى المنطقة، لم تكن المسامير تُستعمل في السفن، بل ليف النخيل أو جوز الهند، وكانت السفن الإسلامية التي أبحرت في رحلاتها العظيمة قديماً إلى بحار الصين وغيرها من هذا الطراز والتركيب البنائي.

وفي ما بعد أصبحت السفن التي يدخل في تركيبها المسامير تُدهَن أجسامها بالزيوت الحيوانية (الصَّلّ) لمنع تأثّر الأخشاب بالعوامل الجوية ولإعطائها مظهراً لامعاً. أما جسم السفينة، فيُدهَن بنوع من المعاجين اسمُه "الشونة" الذي يصنع بمزج الجير مع الوَدَك (شحوم الأغنام) لمنع التآكُل.


الغاصة
يفرد المعرض جانباً مهماً للغوص؛ للاطّلاع على أدواته التي كان يوفّرها "النواخذة" (ربابنة السفُن)، واستخراج المحار والبحث عن اللؤلؤ الذي يستعدّ "الطواشون" (تجّار اللؤلؤ)، لتسلّمه ومن ثمّ بيعه بأسعار مُربِحة، ومن ذلك صندوق فيه قِطع من هذه الجواهر البَحرية ومكيال لحساب وزنها. وعلى جدار قريب صُور فوتوغرافية من آخر عهد لقطر والخليج عموماً بهذه المهنة، تعود إلى العقود الثلاثة الأولى من القرن الماضي.

تعدّد أنواع السفن يرجع إلى اختلاف وظائفها وخصوصياتها

ومن الأدوات التي نُطالعها في المعرض "الفطام"، وهو مشبك الأنف حتى لا يدخل الماء في أنف الغوّاص، و"الفلقة" إضافةً إلى الحجارة التي يربطها الغواص بساقِه أو خصره للوصول بسرعة إلى قاع البحر. والغيص أو الغوَّاص له منزلةٌ كبيرة لدى ربّان السفينة والبحّارة على محمل السفينة، وله مكانة بين أفراد المجتمع قديماً، وجمع الغيص غاصّة في الدارجة المحلية.

كذلك تتوافر في المعرض آلات إيقاعية للغناء والإنشاد على ظهر السفينة، للحثّ على العمل وتزجية الوقت، ومنها آلة "الجالة"، وهي أداة طويلة من الصلصال تُستخدم في إصدار أصوات عالية، كما كانت "الطوس" (أو الطاسات)، وهي أكواب شُرْبٍ من القصدير تُستخدَم إلى جانب الطبلة، وهذه الأخيرة عبارة عن أسطوانة مزوّدة بطبقة جلد ويُضرب عليها بعصاً قصيرة.

آداب وفنون
التحديثات الحية
المساهمون