"مولد وصاحبه غايب"... ربما ينطبق هذا المثل على فيلم "فرحة" (2021) لكاتبته ومُخرجته الأردنية دارين ج. سلام، والذي أثار ضجّةً تبدو مفتعلة، وسلَّطت عليه وسائل الإعلام الإسرائيلية كثيراً من الأضواء، على اعتبار أنّه عملٌ يفضح ما قامت به العصابات الصهيونية إبان أحداث النكبة عام 1948.
تُذكّرنا هذه الضجّة بالفيلم سيّئ الصيت، "الجنّة الآن" (2005) للمُخرج الفلسطيني الهولندي هاني أبو أسعد، والذي رُشّح لجوائز أوسكار في حينه. وبعد متابعة الشريط، تبيَّن أنّ سرديته إسرائيلية بجدارة، يضع السمّ في شطيرة لحم؛ فقد تمثّلت رسالته، ببساطة، في أنّ من يقوم بتفجير نفسه من خلال العمليات العسكرية هو من أبناء المتعاونين مع سلطات الاحتلال الإسرائيلي. وعليه، فإنّ هذه العمليات يجب أن تتوقّف؛ لأنّها "غير إنسانية" و"لا تحمل أيّة أهداف وطنية". وفي "فرحة" تأتي شخصية القريب الخائن الذي يدل المحتلّين في ذات سياق أفلام "صالون هدى" و"الجنّة الآن" وأخواتهما في التمويل.
يتناول فيلم "فرحة" - وهو من إنتاج سويدي - نكبة فلسطين من خلال قصّة خيالية لا تُحمّل العصابات الصهيونية التي قادت عمليات التطهير العرقي والتهجير أيّةَ مسؤولية أخلاقية. بل إنّ الاحتلال يظهر بزيّ رسمي ووجوه جميلة، وكأنّ الحديث هنا حول "أخطاء فردية"، وأن لا مفرّ من وجود "أخطاء فردية" هنا وهناك.
يفرض التمويل الغربي سرديات معينة تحرف مسار القضية الفلسطينية
ولا يخلو العمل من شطحات الخيال التي شاهدنا مثلها في عدّة أفلام أجنبية؛ حيث تقوم أحداثه على قصّة لإحدى الفتيات، يُخبّئها والدها المختار في غرفه آمنة حسب السيناريو (خلال أحداث النكبة لم تكن الآبار آمنة ولا غرف البيوت أيضاً). تراقب الفتاة، من خلال فتحة الباب قيام قوّات عسكرية نظامية إسرائيلية، بعد معركة مع مقاتلين فلسطينيّين، ببسط السيطرة على القرية. وهنا، لا يغفل الفيلم عن إظهار الاحتلال بمظهر الذي يتعامل مع الأطفال بأسلوب إنساني.
لم يحمل الفيلم أيّة مفاجأة تُذكر، ولم يُقدّم أسرار النكبة المجهولة على المتلقّي الغربي الذي يشاهد الفيلم كمشاهد بكر لأحداث لم تُوثَّق بعد، وكأنّ النكبة الفلسطينية الشهيرة لم ترتق إلى جرائم حرب أو حتى تطهير عرقي.
والسؤال هنا: هل يجرؤ المموّل الغربي على فضح أو توثيق ما حدث حقّاً إبّان نكبة فلسطين؟ الجواب هو بالتأكيد: لا. فالغرب يحبّذ اختزال الأحداث ضمن رؤية سياسية تقوم على توازن الأفعال بين الضحية والجلّاد. وليس خفيّاً على المتابع للأفلام والأعمال الفنّية التي يقوم المموّل الغربي بإنتاجها وتسويقها على أنّها تتناول أحداثاً وقعت فعلاً، يعمل على التقليل من تبعياتها الإنسانية والسياسية.
كان حريّاً بمخرجة في بداية الطريق أنْ تبحث أكثر وأكثر حول ما جرى في فلسطين، قبل أن تُقدّم ما زعمت في مقدّمة فيلمها أنّه "قصّة حقيقية"، لم يكن لها من مغزى سوى إطراب المموّل والمُشاهد الغربيّين.
* مخرج وممثل فلسطيني