شغفت النحاتة والكاتبة الأردنية منى السعودي (1945 – 2022) التي رحلت أمس الأربعاء في بيروت، بانحناء الحجر ونعومته منذ تشكيلها منحوتتها الأولى "أمومة الأرض" عام 1965، حيث ظلّت تبحث طوال أكثر من خمسة عقود عن معنى الحب والحياة والخصوبة في الفن والكتابة.
وُلدت الراحلة في مدينة عمّان حيث عاشت طفولتها بالقرب من الآثار الرومانية المنتشرة في منطقة وسط البلد، وكتبت نصوصها الأولى في المرحلة الثانوية كما أبدت تعلّقها في الوقت نفسه بالرسم وبدأت تصنع أشكالاً من الجبس، وحلمت الفتاة بمدن بعيدة يملؤها الفن والشعر.
وسافرت إلى لبنان لتقيم معرضها الأول عام 1963 في "مقهى الصحافة" البيروتي سنة 1963، بعدما تعرّفت على الفنانَين ميشيل بصبوص، وحليم جرداق، اللذين اكتشفا موهبتها وقدّماها للساحة الثقافية، خيث التقت بأدونيس، وأنسي الحاج، ونزيه خاطر، وبول غيراغوسيان وآخرين، ثم التحقت بـ"المدرسة العليا للفنون الجميلة" في باريس عام 1964 ودرست النحت بالحجر.
كانت السعودي مسكونة بالتمرّد والنزق في تلك المرحلة، وهي التي شاركت في أحداث الثورة الطلابية في باريس عام 1968، وأنتجت العديد من الملصفات التي كانت توزّع في العاصمة الفرنسية آنذاك، لتستكشف صلة الفن بالتغيير، لتعود إلى عمّان وتنخرط في تعليم الفن لأطفال مخيم البقعة لتنشر رسوماتهم في كتاب بعنوان "شهادة الأطفال في زمن الحرب" عام 1970.
نزعت الفنانة نحو التجريد لعوامل عدّة، فهي تشير في مقابلة صحافية إلى أنها ابنة حضارات المنطقة العربية؛ السومرية والمصرية والنبطية التي ابتعدت عن التشخيص الواقعي الذي عرفته حضارات اليونان والرومان وأوروبا في عصور النهضة، إلى جانب تأثّرها بالنحات الروماني قسطنطين برانكوشي الذي كسر التقاليد الواقعية الأوروبية في النحت.
راهنت السعودي على أسلوبها الخاص ورؤيتها تجاه الفن منذ البدايات، وتصف ذلك بقولها: "العمل بالحجارة يحتاج إلى قوة روحية وتصميم، وليس إلى قوة جسدية، فكثر بدأوا نحاتين ولم يستطيعوا الاستمرار. أما أنا، فلا أرى نفسي إلا في عالمي هذا".
في عام 1971، قدّمت طلباً للانضمام إلى معرض نظّمه "متحف الفن الحديث" في باريس، حيث عرضت أعمالاً إلى جانب أعمال فنانين مثل جياكوميتي وبيكاسو وغيرهما، لتتوالى معارضها في العالم العربي وأوروبا والولايات المتحدة وآسيا، والتي عبّرت عن انشغالها بالنوع لا بالكم.
تنوّعت أعمال السعودي ومنها "قمر مكتمل" من حجر الترافيرتين، وكذلك "أمزجة الأرض" و"شروق الشمس" و"كسوف القمر"، و"المتشرّد"، و"صبار"، من حجر اليشم الأردني الأخضر، و"ماء الحياة" من العقيق اليماني، و"هندسة الروح"، و"المرأة النهر" من الغرانيت الأخضر الزمردي.
وإلى جانب ذلك، أصدرت كتاباً بعنوان "أربعون سنة من النحت " في 2007، ولها عدّة مجموعات شعرية منها "رؤيا أولى" و"محيط الحلم، كما نفّذت العديد من الرسومات المستمدة من قصائد لامرئ القيس ومحمود درويش، وأدونيس، وسان جون بيرس.