رحل منذ أيام الفنان التشكيلي والمخرج المغربي محمد أبو الوقار (1946 – 2022) في روسيا، تاركاً مجموعة من الأفلام الوثائقية التي تتناول تاريخ الفن وعلاقته بالمسرح والشعر، بالإضافة إلى رسوماته وأعمال الغرافيك التي تركز على الجسد متشظياً وهشّاً ومتوتراً.
ولد الراحل في مدينة مراكش (جنوب الرباط)، ودرس الإخراج السينمائي في "المعهد العالي للسينما" في موسكو الذي تخرج منه سنة 1973، ثم التحق بالعمل في "المركز السينمائي المغربي"، لكن سرعان ما عاد إلى العمل في "استوديوهات غوركي" بالعاصمة الروسية، قبل أن يتفرّغ للتصوير وفن الفيديو والرسم.
تعدّدت المصادر التي تأثّر بها أبو الوقار، بدءاً من التصوّف الإسلامي الذي يرتبط بنشأته، وكذلك المنمنمات البيزنطية التي تحضر بعض عناصرها ورموزها في لوحاته، ومنها استدعاء ثنائيات الأسطوري والمبتذل، والملاك المؤنسن، والفضاء المشهدي الأيقوني في معظم أعماله الفنية.
في كانون الأول/ ديسمبر 2020، أقام معرضاً بعنوان "العمل في الحركة" بالتزامن مع نشر دراسة تحمل العنوان ذاته وتبحث في تجربة أبو الوقار، أعدها الناقد محمد الناجي، ويشير فيها إلى أن لوحاته تستمدّ مناخاتها من عوالم حلمية، وأجواء فانتازية، ويظهر ذلك في تكوينها الذي يتألف من عناصر بشرية وأفعال وسلوكيات تنزاح عن الواقع وتنفصل عن أحداثه، في إطار تناوله لمفهوم اللاوعي وتأثيره بالإنسان.
يصف الناجي أعماله بأنها "فقاعات متواصلة تتدفق في الحمم البركانية المتوهجة من الغضب البركاني الذي يسكن الفنان والذي يأتي من بعيد. مستكشف لا يكلّ ولا يُصنَّف، يجلس في مرتفعات عصره، مستوحى بشكل كبير من خصوصية الاستوديو الخاص به، وبحثه المتواصل لإبراز هويته".
وتتميز العديد من لوحاته بألوان زاهية ومشرقة ووفرة الأشكال التي لا تترك جزءاً من القماش دون معالجة، وتعكس تصوّراته حول الجسد الذي يتلاشى نتيجة صراعاته الدائمة في الحياة، وإحساسه الدائم بالقلق والخوف من المجهول.
يُذكر أن أبو الوقار أخرج فيلماً روائياً طويلاً واحداً بعنوان "حادة"، وحصل على جوائز عدّة، واعتمد فيه على قصة حقيقية عن فتاة تعرّضت للاغتصاب على خلفية تشكيلية، باستحضاره لألوان يعبّر من خلالها عن تشكيل نفسية الإنسان وتوظيفها في بعض التقاليد.