عندما تتكلّم آني إرنو عن فلسطين ويصمت كتّاب عرب

08 يناير 2024
آني آرنو مع جان لوك ميلونشون في باريس، شباط/ فبراير 2023 (Getty)
+ الخط -

الكاتبة الفرنسية آني إرنو هي المرأة السابعة عشرة التي تحصل على "جائزة نوبل". كانت الفرنسية ماري كوري أوّل امرأة حصلت على هذه الجائزة أوائل القرن العشرين. وآني إرنو تتفوّق على الكتّاب الفرنكوفونيّين العرب الصامتين، تتفوّق عليهم ليس في ميدان الكتابة فحسب، وإنما تتفوّق عليهم أخلاقياً أيضاً، وتتفوّق عليهم في وعيها الحاد باللحظة التاريخية، فتعلن انحيازها لـ فلسطين.

وأنت تدرك ذلك عندما يكتب الطاهر بن جلّون أنّ "حماس إرهابية" وأنّ "الحمساويّين حيوانات"، حتى يرضى عنه مشغّلوه الصهاينة في الصحافة ودُور النشر الفرنسية، وعندما، يكتب من قبله عبد الوهاب المؤدّب في جريدة "لوموند" مهاجماً حماس، ويلتحق بالجوقة العالمية لشيطنة الإسلام ويكتب أنّ "تسعين في المائة من المسلمين أغبياء"، بما يعني أنه يتفوّق بذكائه على أكثر من مليار مسلم، وهو الذي يشتغل جنباً لجنب مع سيّئ الذكر بيرنارد هنري ليفي المتصابي الصهيوني.

وتدرك ذلك، أيضاً، عندما يتبعهما بعضٌ من أساتذة الجامعة التونسية، ممّن احترفوا زيارة الكيان، بتحبير مقالات مطوَّلة في الهجوم على حماس، ويكتب شاعر تونسي فرنكوفوني محتفلاً بعيد الحانوكا اليهودي قصائد على امتداد أيام العيد، بينما أطفال غزّة تُبتر أرجلهم وتُفقأ عيونهم، ويجد الطفل نفسه وحيداً بلا أهل تحت سماء غزّة وقد ماتت أمّه وهو ما يزال يناديها وسط دخان البيوت المهدّمة التي قصفتها طائرات الكيان الصهيوني والديمقراطيات الغربية. ولكن كلّ هذا لا يهز الكتّاب الفرنكوفونيّين العرب؛ لا الطاهر بن جلون ولا بوعلام صنصال ولا كمال داود ولا ياسمينة خضرا، ولا الصحافيّين العرب من أمثال إبراهيم عيسى وعبد الرحمن الراشد وعمرو أديب... والقائمة طويلة.

كتبت: هذا ليس صراعاً، إنه استعمار استيطاني مع تطهير عرقي

وفي مقابل هؤلاء، مئاتٌ من الكتّاب والشعراء والفلاسفة والفنّانين في كلّ القارّات هبّوا في صيحة وجع وغضب عارمة إزاء الجريمة التي تجري في غزّة بتشجيع صامت من "الديمقراطيات" الغربية. ودوّى صوت جان لوك ميلونشون رئيس حزب "فرنسا الأبيّة" في جنبات البرلمان الفرنسي دفاعاً عن غزّة. وقبل هؤلاء كتب غابرييل غارسيا ماركيز: "شارون يستحقّ شهادة دكتوراه في قتل الأطفال". واليوم آني إرنو، صاحبة "نوبل للآداب" لسنة 2022 تُقدّم درساً لهؤلاء الكتّاب العرب المتصهينين.

أعربت الكاتبة الفرنسية مراراً وتكراراً عن دعمها للفلسطينيّين، وذلك تماشياً مع التزامها المستمرّ بالمساواة في الحقوق والعدالة للجميع. ففي أيار/ مايو 2019، انضمّت إرنو إلى 100 فنّان فرنسي في التوقيع على رسالة تدعو إلى مقاطعة مسابقة الأغنية الأوروبية التي انعقدت في تل أبيب. وقبلها في 2018، وقّعت على رسالة مع حوالى 80 فنّاناً للتنديد بإقامة موسم التبادل الثقافي الإسرائيلي الفرنسي، وكان من بين الموقّعين آلان داماسيو وجان لوك غودار وناتالي كوينتان وفنّانون آخرون. وجاء في الرسالة: "نحن، الموسيقيّين والكتّاب وصانعي الأفلام والفنّانين، على اختلاف مشاربنا، نعتبر أنّ هذه المبادرة، التي تتمّ تحت ستار تعزيز الحوار والتبادل، بين فرنسا وإسرائيل، هي في الواقع إحدى الوسائل التي تنفّذها الحكومة الإسرائيلية لاستعادة صورة دولة إسرائيل التي شُوّهت إلى حدّ كبير بسبب سياستها متنامية القسوة تجاه الفلسطينيين".

كما دعت إرنو، مع مئات من الشخصيات مثل نعوم تشومسكي وأنجيلا ديفيس، إلى إطلاق سراح السجين جورج إبراهيم عبد الله، وهو شيوعي لبناني من أصل مسيحي ماروني، لا يزال مسجوناً في فرنسا منذ نحو 38 عاماً، رغم انتهاء محكوميته، بما يعني أنه مسجون خارج القانون في بلد الثورة الفرنسية.

وفي أيار/ مايو 2021، بعد المجازر التي ارتكبتها "إسرائيل" في غزّة، وقّعت الكاتبة على "رسالة ضدّ الفصل العنصري" وكتبت: "إنّ تقديم ما يجري في غزّة على أنه حرب بين طرفين متساويين هو أمر زائف ومضلّل. إسرائيل هي القوّة الاستعمارية، وفلسطين تتعرّض للاستعمار. هذا ليس صراعاً: إنه استعمار استيطاني مع تطهير عرقي". كانت الوحيدة التي انتبهت إلى أنّ كلمة "صراع" تلطيف وتغطية على الإجرام، ومساواة بين المجرم والضحية.


* شاعر ومترجم تونسي مقيم في أمستردام

موقف
التحديثات الحية
المساهمون