عزّة الصدّيق: أركيولوجيا الرائحة

25 يونيو 2022
"ما تبقّى هو الماء فقط"، 2019 (من المعرض)
+ الخط -

أُولى التفاصيل التي التقطتها الفنانة السودانية عزّة الصدّيق في طفولتها التي عاشتها في مدينة تورنتو بكندا، كانت الروائح التي لا تفارق النساء السودانيات في المهجر، المأخوذة من شجر الصندل والورد والمرّ واللبّان وغيرها من الزيوت العطرية، التي ترتبط معظمها بأساطير وموروثات تعود إلى آلاف السنين.

رائحةٌ استقرّت في أعمالها التركيبية التي تُعيد سرد الروايات التاريخية بصرياً، من خلال استخدام المعدن والخشب والبلاستيك والزجاج، كما في معرضها الجديد "قائمة المشاريع 25" الذي يُفتتح الخميس، الثلاثين من الشهر الجاري، في "مركز الفنون البصرية" التابع لـ"معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا" في الولايات المتحدة، ويتواصل حتى الرابع من أيلول/ سبتمبر المقبل.

تعرض الصدّيق مزهريات مصنوعة من الصلب والفخّار وقطع زجاج تُحاكي من خلالها الأشكال القديمة التي تزيّن المعابد النوبية وتصوّر الطقوس الجنائزية، والتي تعود إلى نهايات الألف الثاني قبل الميلاد في الجنوب المصري وشمال السودان.

وتستعير الفنّانة في بناء تركيباتها نظام الريّ بالتنقيط الذي عرفته الحضارات القديمة في وادي النيل، من أجل أن يرتفع منسوب المياه التي وضعتها في خزانات معدنية تنفتح على شبكات من الأنابيب البلاستيكية، لتتساقط قطرات على أرفف وُضعت عليها مزهريات مصنوعة من الخزف، ما يؤدّي إلى تآكلها ببطء، في إشارة إلى الفناء.

أعمالٌ تمزج روائح الموت والعدم بروائح الحياة والخصوبة والاستمرار

وفي أعمال أُخرى، تنشر الفنانة مصابيح حرارة تنبعث منها روائح زيت خشب الصندل، الذي يُستخدم لتطهير الجثث وتجهيزها للدفن، مع مزيج من عطور أُخرى تستخدمها المرأة السودانية، في محاولة لمزج روائح الموت والعدم بروائح الحياة والخصوبة والاستمرار.

المعرض، الذي نسّقته الفنانة والقيمة سيلبي نيمرود، يضيء ثيمة أساسية تشتغل عليها الصدّيق وتتمثّل في الرائحة التي تُحيل إلى موضوعات شتّى، حيث ترتبط بالاحتفالات والمواسم الدينية منذ العصور الوثنية مروراً بالمسيحية وحتى الإسلام، إذ يُعرض مقطع فيديو يتضمّن جميع المركّبات الكيميائية التي تتكوّن منها مادّة البخور وهي تُواصل احتراقها في المكان.

كما تبحث الفنّانة في التاريخ الاقتصادي وراء تلك الرائحة في السودان منذ آلاف السنين، حيث كانت المراكب التجارية تنقل الزيوت العطرية، مثل العنبر والعود، إلى مصر الفرعونية التي كانت تضعها في المعابد، كما كان يجري تصديرها إلى إثيوبيا ومناطق أخرى في القارة الأفريقية، وكان يجري التنافس بين مُنتِجيها من أجل تقديم خلطات جديدة.

الصدّيق التي حازت درجة الماجستير في الفنون الجميلة من "جامعة ييل" الأميركية عام 2019، تُعاين أيضاً التركيب الكيميائي للروائح التي تعرضها، في محاولةٍ لفهم فوائدها وأهمّيتها من منطلق علمي، ثم تذهب إلى تشكيلها جمالياً كما تفعل في فيديو يصوّر تِلالاً عائمة بشكل مخيف من اللبان وأنواع أُخرى من الراتنجات المعطرة.

آداب وفنون
التحديثات الحية
المساهمون