"شجرة" عبد القادري في الدوحة: استجابة الفن العاجلة بوجه التوحُّش

12 نوفمبر 2024
الجدارية كما عُرضت في اليوم الأول من المعرض
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- يتحدث الفنان عبد القادري عن تجربته في الدوحة، حيث أنجز جداريته "أودُّ اليوم أن أكون شجرة" لدعم العائلات اللبنانية النازحة، معبراً عن ارتباط الشجر بالأرض رغم الاحتلال.
- يوضح القادري أن مشروعه يتجاوز إنتاج اللوحات، بل يربط الإنسان بالفنان داخله، مستلهماً من الأزمات المتكررة في المنطقة، ويبرز العمل مشاهد من لبنان لتوصيل فكرة الحرب.
- يختتم القادري بالتأكيد على أهمية التبرع السريع، مشيداً بدعم طارق الجيدة في استضافة المشروع في الدوحة لتسهيل التبرعات.

لا يُمكن للحديث مع التشكيلي اللبناني عبد القادري (1984)، أن يكون باتجاه واحد، فسرعان ما يتحوّل إلى أخذٍ وردٍّ بين اثنين مُنغمسَين في أحوال واقعهما اللبناني المشترك، ليسا ضيفاً ومضيفاً ملتزمَين بموقعيهما، الأول يسأل والآخر يُجيب، إنما تواصلٌ يريد فيه المرء أن يقول كلّ شيء لمُحدِّثه، أن يتقاسم معه سؤال الاطمئنان على سلامة النفْس والأهل أولاً، ومن ثم الدائرة القريبة من الأصدقاء والجوار، وكذلك حال عمله، في ظلّ توسُّع رقعة التوحُّش الإسرائيلي في لبنان.
 
وبهذه النبرة الإنسانية بالفعل تحدّثَ القادري إلى "العربي الجديد"، في هاتف سريع بين بيروت والدوحة التي اضطرَّه العدوان الإسرائيلي أن يُسافر إليها على عجَل في مطلع الشهر الماضي، لينجز هناك جداريّته "أودُّ اليوم أن أكون شجرة"، والتي بدأ عرضُها في "مركز  كتارا للفنّ"، منذ الأحد الماضي، ويتواصل حتى غدٍ الأربعاء، ويذهب ريع بيع العمل المكوَّن من أربعين قطعة لدعم "الهلال الأحمر القطري" لمساعدة العائلات اللبنانية النازحة.

يقول القادري لـ"العربي الجديد": "وصلتُ إلى الدوحة بعدما أمّنتُ عائلتي في عمّان، وأول شيء فكّرتُ فيه بعد وصولي إليها، هو أن أستعيدَ مشروعي الإنساني الذي سبق أن نفّذتُه بطبعة أولى بُعيد انفجار مرفأ بيروت في آب/ أغسطس 2020، وبطبعة ثانية في الشهر الأول من الإبادة الصهيونية في غزة العام الماضي. 'أودُّ اليوم أن أكون شجرة' وحده هذا المشروع يُعيدني لأقف على قدميّ، ويمنحُني قليلاً من السلام والتوازن".  

محاولة لإظهار ارتباط الشجر بالأرض رغم همجية الاحتلال

ويُضيف: "أنظُر إلى هذا المشروع بوصفه جزءاً أساسياً من دور الفنّ المجتمعي. نحن لا نجلس في محترفاتنا كي نُصدّر لوحاتٍ للبيع فقط، إنْ لم تمسَّ الممارسة الفنّية المجتمع بغاية بنائه وتطوير الذوق العام فلا قيمة لها. باختصار هذا المشروع هو صلة الوصل بين الإنسان والفنّان في داخلي. ويبدو أنه سيستمرّ في المستقبل، لكون الأزمات تتكرّر وتُعاد. فما هو مخصّص اليوم للبنان، وقد كان في الأمس لغزّة، وسيكون العام المقبل للسودان أو الصومال أو أي بلد تتهدّده الأخطار".

عبد القادري 4 - القسم الثقافي
عبد القادري

لا يقتصر المعرض في "مركز كتارا للفنّ" اليوم على الجدارية التي أنجزها القادري خلال الأيام الأولى بعد وصوله إلى الدوحة، بين الثاني والعشرين من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي والثالث من تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري، حيث وضع اللمسات الأخيرة على العمل صباح اليوم الأوّل من بدء العرض، بل هُناك جدارية أُخرى كان التشكيلي اللبناني قد أنجزها قبل عام في باريس، وكان من المقرّر أن يذهب جزءٌ من ريعها لجمعيّات مختصة بدعم الأطفال، ثم مع بدء العدوان على غزّة في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، والذي تزامن مع افتتاح المعرض، أضاف الفنان الجدارية باعتبارها تحيّة لفلسطين، أنجزها أيضاً خلال عشرة أيام.

ويُتابع صاحبُ معرض "تحت ماكينة الخياطة" (ميونخ، 2023): "العمل في الدوحة ضخم، بطُول خمسة أمتار وعرض مترين وثمانين سنتيمتراً، ويتجزّأ إلى أربعين قطعة، وحقيقة لم أتوقّع أني سأُعيد الكَرَّة معه. في النسختين الأُولى والثانية كان التركيز أكثر على الشجر، أمّا اليوم فبات التركيز أكبر على المشهد، نُعاين سهل البقاع وجبال لبنان، ثم تظهر آلة الإبادة الصهيونية تُحلّق كطائر الرعب في الأجواء، كما تبدو أيضاً مشاهد الانفجارات المُريعة في محاولة لتوصيل فكرة الحرب ومدى عُمقها وعمومها، فالمشروع في نهاية المطاف محاولة لإظهار مدى ارتباط الشجر بالأرض".

عبد القادري 5 - القسم الثقافي
أجزاء من الجدارية

ويستذكر القادري تجربته مع عدوان 2006: "حينها اضطررتُ للانتقال مع عائلتي إلى مكان آمن وكنتُ في الثانية والعشرين من عمري، والأمر ذاته يتكرّر اليوم وأعيشه مع طفلي الصغير الذي عدتُ إليه حتى تمكّنتُ من السفر به وعائلتي إلى مكان آمن". 

ويختم القادري حديثه إلى "العربي الجديد"، مشيراً إلى أنّ "فكرة العمل تترفّع عن مفهوم الاقتناء بمعناه الضيّق، وبالتالي لا يُمكن للشخص أن يختار أي قطعة يريد من الجدارية. نحن أمام مهمّة إنسانية - تلبية حاجات التبرُّع بشكل سريع - وعلى الفنّان والمُقتني أن يتساعدا في إنجازها. ومن هنا يُمكنني أن أنفذ إلى سؤال لماذا كانت الدوحة خياري، والإجابة تتحدّد بكونها إحدى العواصم القليلة التي يُمكن للبنانيِّين أن يسافروا إليها مباشرةً بعيداً عن تعقيدات الفيزا (التأشيرة). كما يجب أن ألفت إلى التفاعل السريع مع فكرة المشروع من قِبل مؤسّس 'مركز كتارا للفنّ' طارق الجيّدة، الذي قدّم الدعم المطلوب لاستضافة المشروع، خاصّة أن طبيعته تفترض أن يكون هناك ردٌّ مباشرٌ وسريع ولا يحتمل التأخير. فكما أنجزتُه خلال عشرة أيام يجب أن تُباع القِطَع في المدّة ذاتها تقريباً حتى نؤمّن التبرُّعات بشكل عاجل".
 

آداب وفنون
التحديثات الحية
المساهمون