سيزان.. الرسم بقلم الرصاص لتعلُّم النظر

23 يونيو 2021
"منظر من الغابة"، قلم رصاص وأوراق مائية على ورق، 1904 (من المعرض)
+ الخط -

لم يكن الفنان الفرنسي هنري ماتيس، ومن بعده الإسباني بابلو بيكاسو، يبالغان عندما وصفا زميلهما الفرنسيّ بول سيزان بأنه أب الفن الأوروبي الحديث. فاسم سيزان يحضر كضرورة لا بدّ منها إذا ما أردنا فهم سياق هذا الفنّ في قرنيه الماضيين على الأقل، إذ يشكّل حلقة وصل أساسية بين تشكيليي الحداثة الكلاسيكية، مثل أوجن دُلاكروا وغوستاف كوربيه، وبين عديدٍ من أسماء الفن البارزة في القرن العشرين، من ماتيس إلى بيكاسو، مروراً بكاندينسكي وبول كلي وغيرهما.

في التأريخ لعددٍ من المدارس الفنية، مثل التكعيبية والانطباعية الألمانية، غالباً ما تجري العودة إلى سيزان (1839 ــ 1906) الذي تأثّر باشتغالاته ومعارضه العديدُ من وجوه هذه المدارس. بل إنّ نوعاً بحدّ ذاته من التشكيل، هو "الطبيعة الصامتة" أو "الطبيعة الميتة"، يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالفنان الفرنسي الذي أعاد إحياءه ــ بعد عقود من الاندثار والتكرار ــ بلوحاته الشهيرة، التي تصوّر في الأغلب فاكهةً وأغراضاً يومية.

رغم هذه الشهرة، ظلّت اشتغالات سيزان الأخرى ــ  خارج حقل التشكيل واللون الزيتي ــ بعيدةً عن الأنظار وغير معروفة بما يكفي لدى الجمهور العريض، ولا سيّما رسوماته التي وضعها بقلم الرصاص أو الألوان المائية. "متحف الفن الحديث" في نيويورك يضيء على هذا الجانب من تجربة الفنان الفرنسي، في معرضٍ انطلق في السادس من حزيران/ يونيو الجاري ويستمرّ حتى الخامس والعشرين من أيلول/ سبتمبر المقبل.

"معطف على كرسي"، قلم رصاص وألوان مائية على ورق مقمّش، 1890 (من المعرض)

يضمّ المعرض، الذي يحمل عنوان "سيزان إذ يرسم"، أكثر من 250 عملاً نادراً (وبعضها يُعرَض للمرة الأولى) تنتمي إلى مختلف المراحل في تجربة التشكيلي الفرنسي الذي لم يكفّ عن العودة إلى قلم الرصاص والورق طيلة حياته، تارةً لتحضير لوحاته الزيتية التي سيرسمها على قماش، وتارةً لدراسة أشكال ومشاهد يراها أمامه، ولا سيّما خلال زياراته لـ"متحف اللوفر" أثناء إقامته الباريسية.

ولأنّ الرسم على الورق لعِب دوراً تسجيلياً في تجربة سيزان، أي المرحلة الأولى من عمليته الإبداعية التي تنتهي بلوحاتٍ أكثر غنىً وكثافة باللون والتفاصيل، فقد أضاف القائمون على المعرض لوحاتٍ زيتية إلى جانب الرسومات الورقية، بما يُعطي صورةً عن الخطوات التي قطعها سيزان للوصول إلى عمله النهائي.

مقطع من "دراسة أورق شجر"، قلم رصاص وأوراق مائية على ورق، 1904 (من المعرض)

تدفعُ الرسوماتُ المعروضة مشاهديها إلى التفكير في أن سيزان لم يكن يفارق كرّاسته، فهو يصوّر كلّ شيء يحيط به تقريباً، من منزله (زوجته وطفله وبعض أغراض المنزل، كالطاولة والكرسي والفاكهة وساعة الحائط) إلى الغابة أو الحقل الذي يتأمّله، مروراً بالطريق إلى هذه الأماكن، وبأعمال فنية يعثر عليها في متاحف ومعارض يزورها. وربما لجملةٍ قالها سيزان في إحدى رسائلها أن تُساعدنا على فهم هذا التلازم مع كرّاسته: "الرسم يساعدني على أن أرى جيّداً".

آداب وفنون
التحديثات الحية
المساهمون