ريم الجندي.. الماء كاستعارة

05 اغسطس 2024
من المعرض
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- **تستعرض ريم الجندي في معرض "ملمس الماء" لوحات تعكس يومياتها في حوض السباحة، مستخدمة ألوان الأزرق والأصفر والأخضر لخلق عالم متكامل من الوهم والانعكاسات.**
- **تتناول اللوحات موضوعات مثل الطبيعة، الأنوثة، النقاء، والهروب من الواقع، حيث يصبح الماء مرآة نفسية تعكس صورة المتلقي وتحييدها.**
- **الماء في لوحات الجندي ليس مجرد عنصر طبيعي، بل هو رمز للهجرة، السفر، وحتمية الموت، مما يجعله متجددًا وقابلًا لتأويلات متعددة.**

على مدى العقود الثلاثة الأخيرة، اتسمت أعمال التشكيلية اللبنانية ريم الجندي (1965) بتمثيل يومياتها وحياتها الشخصية المتفاعلة مع ما يدور حولها من قضايا نفسية وأنثروبولوجية وفلسفية وسياسية وثقافية. ولطالما كانت مدينة بيروت الأرضية التي انطلقت منها الجندي لتُعبّر عن سخطها أو مواقفها السياسية والإنسانية والاجتماعية التي كانت أقرب إلى العنف والقساوة لكونها من جيل الحرب والهجرة والهروب؛ وهذا ما أثّر على ألوانها وموضوعاتها التي اشتغلت عليها منذ بداياتها الفنّية.

في معرض "ملمس الماء" الذي يستضيفه "غاليري أجيال" في العاصمة اللبنانية، حتى الحادي والثلاثين من آب/ أغسطس الجاري، تُحاول الجندي، رغم إصرارها على أنّها امرأة مدينية بالدرجة الأُولى، أن تكون امرأة مهجّنة، أي أن تهرب من ضوضاء العاصمة إلى قرية عمشيت المحاطة بالماء في جبل لبنان، حيث ستخلق عالمها الجديد المتمثّل في حوض سباحة وما يحيط به من عناصر.

إنّها لوحات من يوميات حوض السباحة الذي ترتاده الجندي، خيالياً أو واقعياً، وربما تكون يومياتها هي أو يوميات أيّ امرأة ترتاد حوض سباحة، حيث يستعير الماء نسيج الأشياء الأُخرى وملمسها، كي يخلق شيئاً واحداً لا غير: الوهم. ربما لهذا السبب انجذبت التشكيلية إليه؛ فهو يصلح كمرآة نفسية تساعدنا في تحييد صورتنا، وفي إعادة شيء من البراءة والعفوية إلى صلف تأمّلنا الخاص.

لا نرى الماء نفسه في اللوحة، بل صورتنا المنعكسة على مرآته

في أكثر من عشرين لوحةً بقياسات مختلفة، اشتغلتها في الأعوام الثلاثة الماضية، ترسم الجندي لحظات الحياة كما تمرّ في حوض السباحة، وبألوان قليلة: الأزرق والأصفر والأخضر. إنّه عالَم مكوّن من ألوان ثلاثة، ولكنّه عالم كامل، فيه هشاشة بدرجة القساوة نفسها، وحركة بدرجة السكون نفسه.

ريم الجندي
من المعرض

الطبيعة، الإنسان، الأنوثة، النقاء، العذوبة، الصيف، الإثارة، المرايا وألعابها، الرغبات، الحلم، الهروب من الواقعي، ملامسة الوهم، الأمل؛ كلّها موضوعات تتحرّك في لوحات الجندي وفي أجساد الموجودين فيها، وفي الماء الغنيّ بكثير من الانعكاسات والظلال. الماء هو دم اللوحة وحياتها، وهو بذلك حياة كلّ من يتحرّك داخل فضاء اللوحة. لكنّ الماء هنا ليس إشارة إلى ما هو طبيعي وملموس وواقعي فحسب، ولا يكتفي بأن يكون السائل الذي يحتويه حوض السباحة، بل وهم العوالم الموجودة في الحلم والمخيّلة.

بالطريقة نفسها التي لا يمكن أن نعبر فيها النهر مرّتين، كما قال هيرقليطس، لا يرى المتلقّي الماء الموجود في لوحات الجندي مرّتين؛ فهو ماء متجدّد، متحرّك دائماً في عقل المتلقّي وأحلامه، وهو قابل لتأويلات عديدة: فهو الذي يحملنا إلى البعيد، في إشارة إلى الهجرة والسفر، ويمضي كالأيام، في إشارة إلى حتمية الموت، ويجعلنا نشعر بذواتنا في لحظة تأمّل أو في غفوة بجانب حوض سباحة. لكن بمجرّد أن نقترب من اللوحة لن نرى الماء نفسه، بل سنرى صورتنا المنعكسة على مرآته.

موقف
التحديثات الحية
المساهمون