استمع إلى الملخص
- الباحثة ماريبيل فييرو في كتابها "الأندلس" تدعو إلى إعادة التفكير في المصطلحات التاريخية، مشيرة إلى أن كتابة "التاريخ الوطني" لإسبانيا تمت وفق منطلقات أيديولوجية وقومية.
- اليوم، تردد أحزاب اليمين وبعض المؤرخين سردية "حروب الاسترداد"، وتناقش فييرو الآثار السلبية لأحداث 11 سبتمبر 2001 على الرؤية الكاثوليكية-اليمينية للأندلس، مشيدة بتقدم المملكة الإيبيرية خلال العهد الأندلسي.
في أربعينيات القرن التاسع عشر، بدأت تظهر بشكل خجول، في بعض نصوص المؤرّخين الإسبان، كلمة "حروب الاسترداد" Reconquista، في سياق يقارن "استرداد" الأندلس بطرد الجيوش النابليونية على يد رجال حرب عصابات بسطاء. وعلى الرغم من ظهور حركة مناهِضة لهذا المصطلح، في بداية القرن العشرين، بسبب تلوّثه الأيديولوجي وما يعنيه من رفض لحقبة تكاد تكون الأهمّ في التاريخ الإسباني، فإنّ الحرب الأهلية الإسبانية (1936 - 1939) ونظام فرانكو، أوقفا أيّ جدل حول الأمر؛ إذ سرعان ما احتلّ المصطلح نصوص التاريخ والخطابات الرسمية والمنابر السياسية والإعلامية.
أدّى ذلك، بشكل أو بآخر، إلى اختراع "تقليد اصطلاحي"؛ وهو ما عبّر عنه بكلمات شهيرة رئيس الحكومة اليميني السابق خوسيه ماريا أثنار عام 2004، في جورج تاون بالولايات المتّحدة، حينما قال: "رفضت إسبانيا أن تكون مجرّد قطعة أُخرى من العالَم الإسلامي"، محاولاً بذلك صياغة مفهوم خاصّ لإسبانيا.
في كتابها "الأندلس"، الصادر عن دار "كاتاراتا" ضمن سلسلة "ماذا نعرف عن؟"، تحاول الباحثة الإسبانية والمختصّة في دراسات الشرق الأوسط، ماريبيل فييرو، تصحيح الكثير من الأخطاء الشائعة والمقصودة في بعض الأحيان؛ لأسباب سياسية وأيديولوجية وقومية، والمتعلّقة بالمصطلحات والألفاظ المستخدمة عند الحديث عن الفترة التي تُعرف بالعصر الأندلسي، داعيةً القرّاء إلى التأمّل في كيفية كتابة "التاريخ الوطني" لإسبانيا، في ما يتعلّق بأكثر من ثمانية قرون من الوجود العربي الإسلامي في شبه الجزيرة الإيبيرية.
كُتب "التاريخ الوطني" وفق منطلقات أيديولوجية وقومية
هل هي الأندلس؟ هل هي إسبانيا المسلمة؟ هل هو غزو عربي إسلامي لشبه الجزيرة الإيبيرية؟ وهل نتحدّث إذن عن حروب استرداد؟ قبل أن تحاول الباحثة الإجابة عن هذه الأسئلة، انطلاقاً من الدراسات التاريخية والعلمية، تعود إلى الخلفيات التاريخية والثقافية والسياسية لهذه الأسئلة والمصطلحات والمفاهيم التي تحمل تاريخاً وراءها، وبالتالي، ترى أنّ من الضروري إمّا التخلّي عنها، أو إعادة التفكير فيها عندما لا تكون منسجمة مع الواقع، وعندما تحمل عبئاً أيديولوجياً، لا يمكن من خلاله فهم الحقائق التاريخية بطريقة صحيحة.
توضّح فييرو أنّ الجدل القائم ارتبط بإنشاء الدولة القومية الإسبانية وديناميكياتها الداخلية اللاحقة، خاصّة منذ القرن التاسع عشر فصاعداً، حيث تمّت كتابة "تاريخ وطني" قام بشكل جوهري على أساس عمليات فرز واختيار ما كان مطلوباً دمجه، وما كان مطلوباً رفضه أو تركه. هكذا بدأ الجدل حول الأندلس، فنظام فرانكو، قام على أساس أنّ إسبانيا مسيحية كاثوليكية، وأنّ الوجود العربي فيها جاء بشكل رئيسي من أجل أسلمة شبه الجزيرة الإيبيرية المسيحية ونزع هويتها الكاثوليكية. وقد عمل مؤرّخون على خدمة هذه النظرية وترسيخها. ومن هنا، كانت فكرة "حروب الاسترداد" التي لا تعني استرداد الأراضي التي كانت واقعة تحت سيطرة المسلمين فحسب، بل أيضاً استرداد هوية إسبانيا الكاثوليكية.
أمّا اليوم، فلا تزال أحزاب اليمين، مع بعض المؤرّخين الإسبان، يردّدون هذه السردية، لا سيّما مع صعود حزب "فوكس" المتطرّف. ولا تنسى الباحثة، في هذا الإطار، الحديث عن الآثار السلبية التي خلقتها أحداث الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر 2001، وعلاقتها بالرؤية الكاثوليكية - اليمينية للأندلس التي عزّزت النظرة السلبية إلى العالم الإسلامي بشكل عامّ.
بعد أن تناقش الكاتبة تلك المسائل وتضعها في سياقها التاريخي، تُذكّر القارئ، الإسباني بشكل خاص، في عدّة فصول، بتقدّم المملكة الإيبيرية في مسائل العلم والثقافة والفلسفة والفن والسياسة والاقتصاد، كما تسلّط الضوء على الاحترام الذي ساد تجاه الديانتين التوحيديتين الأُخريين في العهد الأندلسي، إضافة إلى العديد من الجوانب التي من شأنها أن تبعث بالفخر الوطني لكلّ من يدّعي وطنيّته الإسبانية!
تعمل ماريبيل فييرو Maribel Fierro أستاذة باحثة في "معهد لغات وثقافات البحر الأبيض المتوسّط"، وتركّز في أبحاثها على التاريخ السياسي والاجتماعي والفكري للمجتمعات الإسلامية ما قبل الحداثة (شمال أفريقيا وشبه الجزيرة الإيبيرية). من مؤلفاتها: "عبد الرحمن الثالث" (2011)، و"ثورة الموحّدين" (2012).