"زين" لحسان زهر الدين.. رسْمٌ عبر الممحاة

11 سبتمبر 2024
ليس زين وحيداً فهُناك والده العامل في المطبعة (من رسومات الكُتيّب)
+ الخط -

في تموز/ يوليو الماضي أقام التشكيلي والمُصمِّم اللبناني حسان زهر الدين (1969)، معرضه "حَفْر"، الذي ضمّ ثماني وثلاثين لوحة أُنجزت خلال العامين الماضيَين، ومن ضمن نشاطات المعرض أطلق الفنّان كُتيّباً من ثلاثين صفحة بعنوان "زين"، صدر عن "Art Design Lebanon"، وفيه يعرض مجموعة بورتريهات ورسومات مطبوعة بالأبيض والأسود، مُرفقة بنَصّ كتبَه حول حكاية طفل يعمل في إحدى المطابع.

على بساطته وعفويته، يجمع نصُّ الحكاية أبعاداً عديدة، فمن جهة يروي لنا رحلة الطفل "زين" في تعلُّم العربية، ومن أُخرى، يُضيء العمَلَ في المطبعة وما يتطلّبه من جهد معرفي، حيث يُحاول زين فكّ أسرار الحروف، وفَهْم تنظيم القِطع داخل الآلة بشكل مقلوب كي تستقبلها الأوراق وتُظهرها بالطريقة الصحيحة. وبكلمات مُوجَزة يروي زهر الدين قصة عمَالة الأطفال، ومعنى أن تُولدَ لتكون عاملاً. خلال كلّ ذلك، نشعر وكأن البورتريهات منحوتة من كتلة العتمة ذاتها، لا مرسومة على الورقة البيضاء، وكأنه رسمٌ عبر الممحاة التي تشقّ طريقاً من خُطوط بيضاء في الصفحة. يقترب وجه الطفل أحياناً من الورقة فيشعّ منهما نورٌ، لكنّ كتلة العتمة تظلّ محافظة على الإطار العامّ. 

يبني على تجربته السابقة بتقديم رسومات لكتُب الأطفال

زين ليس وحيداً في رحلته، هناك والدُه الذي اصطحبه أولاً إلى المطبعة، وكذلك العائلة والعُمّال، كُلّهم وجوه تتكدّس في الظلام وتنبثق منه في صمتٍ مُطبِق لا يُخلخله سوى شيء واحد "الإضراب"، الذي يقلب هدوء الحكاية القصيرة، ويُعِيرها ثوباً لا يخلو من تمرّد اجتماعي، وملاحقات بوليسية للعمّال المُضربين: "قضى ساعةً يُقلّب كلام الورقة، استطاع أن يقرأ أول كلمة (إضراب)، خفقات قلبه كانت تتعاظم مع كلّ كلمة يقرأها، جملةً جملةً وسطراً سطراً، ثم إلى آخر حرف في الورقة".

زين 2 - القسم الثقافي
البورتريه الأساسي الذي يحمل عنوان "زين"، 2022

تحتاج الوجوه التي رسمها حسان زهر الدين تحديقاً من نوعٍ خاص حتى نُميِّز ملامحها، تتّسع فيه الحدقة - إنسانيّاً - إلى أبعد مدى، فليست عتمة الألوان وحدها ما تحجب ذلك، بل الخلفيّات الاجتماعية القادمة منها تلك الوجوه، إنّه إجهاد العمّال، الأطفال منهم والكبار، في حياتهم اليومية التي تُطوِّقها الأُمِّية ومحاولات محوها، والسعي من أجل عَيش كريم. وفي الصفحة الأخيرة يكشف زهر الدين أنّ الحكاية هي حكاية والده الذي خرج إلى العمل بإحدى المطابع حين كان في سنّ التاسعة، بعدما هاجرت عائلته من الريف إلى بيروت، وهناك سيتعلّم "مصلحة" الطباعة التي ستتحوّل على يد أحد أبنائه إلى فنّ.

زين - القسم الثقافي
تحديق في بؤس العالَم بعينَي طفل (من الكتيّب)

للوهلة الأولى، تبدو حكاية "زين" المُقدَّمة بإطار طُفولي أنّها امتداد لتجربة زهر الدين مع كتب الأطفال التي وقّع رسوماتها مثل "حكاية ترويها الخيوط" لنبيهة محيدلي، و"كيف أصبحتُ أصفرَ اللون" لعبير مزهر، و"لستُ لصّاً" لحسن عبد الله، و"سما" لنادين توما، وغيرها، لكنّ الجمهور هُنا ليس من الأطفال، كما أنّ تقنية إنجاز البورتريهات وموضوعها من الأدقّ القول عنها إنّها تحديق في بؤس العالَم بعينَي طفل.
 

آداب وفنون
التحديثات الحية
المساهمون