خرافةٌ اسمها حقوق المؤلِّف

23 ابريل 2023
بوتفليقة ووزيرة ثقافته في افتتاح "معرض الجزائر الدولي للكتاب" عام 2010 (Getty)
+ الخط -

في 2009 نشرتُ كتابيَ الأوّل؛ وكان مجموعةً قصصية لم أُفكّر، قبل ذلك، في نشرها، لأنّني لم أكُن أعرف في الأساس أنّ ما كتبتُه من قصص قصيرة يكفي لصُنع كِتاب. لكنّ أصدقاء، من بينهم الناشر نفسُه، ممّن اطّلعوا على بعض ممّا نشرته منها في صُحف ومجلّات ومواقع أقنعوني بالفكرة، فقُلت: لمَ لا؟ وهكذا وجدتُني بعد فترة من صدور الكتاب أجلس في مكتب الصديق الناشر الذي طلبَني لأُوقّع على العقد (أليس غريباً أن يتمّ ذلك بعد النشر لا قبله؟) وآخذ حقوقي "حقوقي".

ومع أنّ العقدَ يُشير، بشكلٍ صريح ولا يتحمّل أيّ تأويل، إلى أنّ المؤلِّف يحصل على ما نسبتُه عشرون في المئة من إجمالي مبيعات الكتاب، فإنّ الناشر أخبرَني، وهو يُسلّمني عشرين ألف دينار (قرابة مئة دولار أميركي)، أنّ هذا المبلغَ يُمثّل ما نسبتُه عشرون في المئة من تكاليف الطباعة، تُمثّل "حقَّ المؤلّف". لكن ما علاقتي ككاتب بتكاليف الطبع؟ استلمتُ المبلغ الضئيل مُحرَجاً، وخرجتُ مُفترِضاً حُسن النيّة، ومُحاوِلاً إقناع نفسي بأنّ ما جعل صديقي الناشر يخلط بين مبيعات الكتاب وتكاليف الطباعة هو سوء الفهم ليس إلّا.

بالنظر إلى عدد النُّسَخ المنشورة وثمن النسخة الواحدة، كان يُفترَض أنّ ما أحصل عليه هو ألفُ دولار تقريباً تمثّل نسبةَ عشرين في المئة من المبيعات. لكن، هل بِيع الكتابُ أساساً لأستحقّ المبلغ؟ الحقيقةُ أنّ المجموعةَ نُشرت أيّام الدعم السخيّ من وزارة الثقافة للناشرين؛ حيث يعني الدعم، في أحد أشكاله، شراء الوزارة نفسها حصّةً كبيرة من النُّسَخ؛ وذلك يوفّر على الناشر عناء البحث عن سوق لإصداراته.

وجدَت دور النشر الجزائرية أنّها لا تحتاج إلى توزيع ما تنشره

أفسَد الدعمُ صناعة الكتاب بينما كان يُريد إنعاشها؛ فإضافةً إلى ظهور المئات من دُور النشر الوهمية التي تحصل على تمويل وتُعيد تدوير كتب قديمة، أو تنشر كُتباً رديئة أو لا تنشر شيئاً من الأساس، وجدَت البقيّة أنّها لا تحتاج إلى توزيع ما تنشره، راكنةً إلى وزارة الثقافة التي تشتري الكُتب لتُكدّسها في المخازن.

في 2013، نشرتُ كتابي الثاني عن دار نشر حكومية هذه المرّة. وأذكر تلك اللحظةَ المُهينة التي وجدُتني فيها في أحد المكاتب الكثيرة داخل المؤسّسة الكبيرة، أمام موظَّف يُقدّم لي خيارَين بخصوص "حقوقي": أخذُ مئة نسخة من الرواية، أو ثلاثة آلاف دينار (قرابة عشرين دولاراً) هي حصّتي من المبيعات التي سيُذكّرني الموظَّف بأنّها كانت ضعيفةً جدّاً؛ من دون أن يخوض في أسباب هذا الضعف؛ مثل عدم الترويج للكتاب، وعدم توزيعِه. الحقيقةُ أنّه لم يحدث أنْ التقيتُ به في مكتبة، بما فيها مكتباتُ الدار نفسها في العاصمة.

بعد سنوات، انتبَهتُ، في خضمّ "حملة" فيسبوكية على الرواية، إلى أنّ الصفحات التي أُرفقت صُوَرُها مع المنشورات، ليست من النسخةِ التي أعرفها للرواية. وبسبب ذلك اكتشفتُ أنّ دار نشر حكومية أُخرى أصدرت طبعةً أُخرى منها... هكذا ببساطة، من دون عقد، ولا اتّفاق معي حتّى. ولو أعلموني بالأمر، كنتُ لأطلب منهم على الأقلّ الاحتفاظَ بالغلاف الأصلي الذي هو جزء من النص، وكُنت لأصحّح بعض الأخطاء اللغوية التي ظهرت في الطبعة الأُولى.

كتب
التحديثات الحية
المساهمون