"تشذيب" أعمال رولد دال: بين تصحيح أخطاء الماضي ومحوها

02 مارس 2023
طفل يقرأ إحدى قصص رولد دال في مركز ثقافي بواشنطن، 2010 (Getty)
+ الخط -

نتسرّع أحياناً حين نعتقد أن الرقابة قد انقضت تماماً في الفضاءات الثقافية الغربية. لكنّنا نتسرّع أيضاً حين نضعها في خانة واحدة مع الرقابة التي يعرفها العالَم العربي، والتي تمس الأفكار الحرّة والخارجة عن المطلوب حول مسائل السلطة والدين والجنس، تماماً كما جرى أخيراً مع قيام المسؤولين على "مشروع كلمة" عندما بتروا من ترجمة المصري سمير جريس لكتاب الألمانية يوديت شالانسكي، "فهرسُ بعض الخسارات"، مقاطع وكلمات تتناول الجنس والأعضاء الجنسية.

أمّا الرقابة في الدول الغربية، فهي تستهدف أمرين اثنين على الصعيد الثقافي، مختلفين إلى حدٍّ بعيد: الأعمال التي تلمس بعض "الخطوط الحمر" لدى عدد من المؤسسات السياسية، مثل الدفاع عن فلسطين وانتقاد جرائم "إسرائيل"، والأعمال الأدبية والفكرية المنشورة قبل عقود وربما قرون، والتي تقوم على رؤى وعبارات يُنظَر إليها اليوم، لا سيّما من قِبَل اليسار الثقافي، بوصفها عنصرية أو فاقدة للاحترام تجاه بعض الشرائح الاجتماعية.

بعد تغيير عنوان الترجمة الفرنسية لرواية أغاثا كريستي "عشرة زنوج صغار"، قبل ثلاثة أعوام، وسحب كثير من المكتبات ومنصّات مبيع الكتب للعمل في عنوانه هذا، بسبب العنصرية القائمة فيه، واستبداله بالكتاب في عنوانه الجديد، "كانوا عشرة"، عاد النقاش نفسه، لكن من بريطانيا هذه المرة. حيث كشفت صحيفة "دايلي تيليغراف"، مؤخّراً، عن شروع دار نشر "بوفين" بتشذيب مطبوعاتها من كتب مؤلّف قصص الأطفال رولد دال (1916 ــ 1990) وحذف أو إعادة صياغة العبارات التي تتضمّن "تمييزاً" و"إهانةً للأقليات الجنسية والإثنية" في عددٍ من قصصه، وذلك ضمن نوعٍ من "الرقابة التقدُّمية".

تُبرَّر الظاهرة بتخليص تاريخ الأدب الأوروبي من عنصرية متفشّية فيه

وترتبط العبارات التي شرع بتعديلها "مُعيدو الكتابة" في الدار ــ وهي وظيفةٌ بدأت تشيع في السنوات الأخيرة ببعض الدول الغربية، ومهمّة المشتغلين فيها تشذيب النصوص القديمة والجديدة على المستوى الأخلاقي، وجعلها أكثر تناسباً مع الصوابية السياسية والاجتماعية في وقتنا الراهن ــ بمواضيع مثل الهيئة الجسمانية، والصحّة العقلية، والعنف، إضافة إلى النوع الجنسي والانتماء الإثني. حيث أعاد مُعيدو الكتابة، على سبيل المثال، صياغة عبارات مثل "سمين" التي يصف بها دال الطفلَ أوغست غلوب، أحد أبطال قصّته "شارلي ومصنع الشوكولا"، ليصبح هذا الطفل البطل "هائلاً" بدلاً من "سمين"؛ أمّا السيدة تويت، في قصّته "آل تويت"، فتصبح "بغيضة" أو "ساذجة" بدلاً من كونها "قبيحة وحيوانية"...

وفي حين تُقنع هذه الرقابة بعضاً من الداعين إلى تخليص تاريخ الأدب الأوروبي من عنصرية متفشّية في قسمٍ منه، فإن أغلب الردود جاءت مُعارضةً لخيار الدار البريطانية، مع اختلافٍ كبير في دوافع هذه الاعتراضات: بين يمينيين ــ تمثّلهم وسائل الإعلام المحافظة ــ لا يريدون الاعتراف بأي جانب مؤذٍ في بعض الأعمال الأوروبية، وبين يساريين ومدافعين عن حرّية المؤلّفين في تناول ما يريدونه باللغة التي يريدونها، وبين داعين إلى احترام التاريخ والسياق الذي جاء به العمل، وترك نصّه الأصلي كما هو، كي تستطيع الأجيال الجديدة أخذ العبرة منه وعدم تكرار أخطائه.

آداب وفنون
التحديثات الحية
المساهمون