المؤسّسات الثقافية ولعبة التمويل: الواقع الفلسطيني بعد 7 أكتوبر

03 مارس 2024
جانب من معرض "هذا ليس معرضاً" المقام حالياً في "المتحف الفلسطيني" ببيرزيت
+ الخط -

تناولت ثانية حلقات "القطّان بودكاست"، التي بُثّت مؤخّراً، "واقع الإنتاج الثقافي في فلسطين"، وكيف يمكن أن تغيّر أحداثُ السابع من تشرين الأوّل/ أكتوبر من توجّهاته المستقبلية، بفتح الحوار عن جوهرية استرداد أدوات الإنتاج لخلق إنتاج أصيل يتلاءم مع الواقع، وأُفق التحرّر من الخضوع للمعيار الأوروبي في التفكير والمعالجة والتقييم، كما ساءلت الحلقة، عبر المتحدّثين فيها: مدير "المتحف الفلسطيني" في بيرزيت التشكيلي عامر شوملي، والباحث جمال ضاهر، والناشطة إيمان شرباتي، دور المؤسّسات الثقافية والفاعلين الثقافيّين باعتبارهم لاعبين مركزيّين في التغيير.

في حديثه، لفت شوملي إلى مسألة النشر في المجلّات الأوروبية، و"مدى اعتبار ذلك معياراً لـ'الأهمّية' في حدّ ذاته، أم أنّ هناك طرقاً أُخرى بعيداً عن المركزية الأوروبية، في الوقت الذي ما زالت فيه الجامعات الفلسطينية تنظر إلى الأبحاث والمجهودات المنشورة في مجلّات محلّية على أنها ليست بالسويّة ذاتها فيما لو نُشرت في الغرب. وهذا ما أكّده ضاهر مضيفاً أنّه "كنقيض للنظرة المركزية يتوجّب العودة إلى الذات". 

لا تُعطي المؤسّسة أدوات للثورة عليها، بل تفرض الخضوع لشروطها

بدورها استدركت شرباتي هذه الفكرة مُنبّهة إلى "لعبة التمويل الأوروبي الاستعماري، وما يلزم عنها من أدوات تقيّد المؤسّسات الفلسطينية وتمنعها من أن تكون مستقلّة في خياراتها". ولتجاوز هذه العتبة، رأى شوملي، أنّ "الأمر يستلزم الكثير من الثقة بالنفس، سواء في طرائق التدريس الجامعية أو العروض الفنّية في المتاحف، أو مشهديّة تموضُع الخشبة والجمهور، لو تحدّثنا في إطار مسرحي".

وحول مسألة وقف العروض الثقافية في الفترة الأُولى من العدوان، فمن المفروض، وفقاً لشوملي، "ألّا يحدث هذا، بل على العكس، الواجب زيادة الاهتمام بالأنشطة الثقافية في أوقات الحروب، فالإيقاف يوحي بأنّ البرامج الثقافية كانت منفصلة عن الواقع الاستعماري أساساً، وبأنّ أصحابها خجلوا ممّا يقومون به في وقت تكثّفت فيه الإبادة".

لكن، هل المشروع الثقافي الفلسطيني بمؤسّساته القائمة قابلٌ للإصلاح؟ مُجيباً عن هذا السؤال، رأى ضاهر أنّ "علينا أوّلاً استخدام مصطلح أدقّ، وهو 'إعادة البناء' على أُسس جديدة لا يوجد فيها عُقَد نقص تُجاه الآخر، وربّما هذا يتطلّب الهدم، حتى يُتاح لنا إفساح محلّ جديد لما نريد بناءه. وفي هذا السياق قد يبدو لنا، ظاهرياً، أنّ الفاعلين الثقافيّين هُم أعداء هذه الخطوة، لأنّهم يخشون على مكاسبهم في المقام الأوّل، لكن ما إن يستطيع مشروعٌ ثقافي ما إثباتَ نفسه، ويبدأ الناس بالالتفاف حوله، حتى يتمكّن من إزاحة المشاريع غير الجدّية من المشهد".

وتوافق المتحدّثون الثلاثة، في نهاية الحلقة، على أهمّية دور الفرد في العمل الثقافي، لا بمعنى الفردية المطلقة، إنّما بالقدرة على المواجهة المستقلّة عن المشاريع الكبيرة التي تكون في جوهرها خاضعة لإطار تمويلي معيّن، أو المؤسّسات التي تشبه المدارس في قدرتها على مَسْح الفوارق، وتوحيد الجميع من حيث الذوق والنظرة، على اعتبار أنّ المؤسّسة لا تعطي أدوات للثورة عليها، بل ليكون الفرد "أفضل"، إنما وفق شروط المؤسّسة ذاتها.
 

موقف
التحديثات الحية
المساهمون