بعد عودة طفيفة خلال أشهر الصيف، عادت الحياة الثقافية في تونس إلى نقطة الصفر تقريباً مع الموجة الثانية من فيروس كورونا بداية من تشرين الثاني/ أكتوبر. وقتها، بدت الجهات الرسمية متشدّدة تجاه إيجاد صيغ مرنة للإبقاء على حد أدنى من النشاط الثقافي.
وقد كان المسرح من أكثر القطاعات تضرّراً لاعتماده على حضور الجمهور والتلامس بين الممثلين، ورغم السماح لاحقاً بعودة العروض إلا أن القليل منها قد قُدِّم، ومعظمها في مسارح خاصة أو ضمن دور الثقافة بالنسبة لعروض الهواة، دون أن نشهد الكثير من الفعاليات في القاعات الأساسية لتونس العاصمة، مثل مسارح مدينة الثقافة، و"المسرح البلدي"، وقاعة "الفن الرابع"، و"نجمة الشمال"، ولارتيستو"، و"الحمراء". وكان مسرح "تياترو" الاستثناء في هذا السياق، ففيه قُدّمت مجموعة من العروض، غير أن إجراءات الوقاية من الفيروس أثرت كثيراً على حميمية المسرح وروحه التفاعلية.
يمكن اعتبار اليوم، الخامس من كانون الثاني/ يناير، يومَ "عودة مسرحية" في تونس، حيث جرى الإعلان عن إطلاق تظاهرة "الخروج إلى المسرح" التي ينظّمها "قطب المسرح والفنون الركحية" في "مدينة الثقافة" في تونس العاصمة. كان من المفترض أن تقام التظاهرة في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، لكن عرضها ألغي في آخر لحظة.
يبدو المسرحيون قد توقفوا عن إنتاج أعمال جديدة منذ بدء الجائحة
تحمل الدورة التي تستمرّ حتى التاسع من الشهر الجاري عنوان "الصمود والاحتفاء بالحياة"، ولا تخفى هنا النزعة الشعاراتية التي بات يتبناها معظم المسرحيين في تونس منذ فترة، في إشارة إلى تعنّت الجهات الرسمية مع قطاعهم.
تفتتح العروض مساء اليوم بمونودراما "روّح"، من أداء فاطمة الفالحي وإخراج خولة الهادف، وهو عمل شهد احتفاءً جماهيرياً في عروضه الأولى بداية 2020، قبل أن يتوقّف ويعرض في مناسبات قليلة في الصيف، قبل توقّف جديد، كما هو الحال مع معظم الأعمال المسرحية التي أطلقت في نهاية 2019 أو بداية السنة المنقضية.
تقوم المسرحية على حكايات تسردها الفالحي، وتعيشها في حياتها اليومية كفنانة مسرحية، حيث تنقد النظرة الاجتماعية للمشتغلين في هذا القطاع، خصوصاً تجاه المرأة، كما تضيء جوانب من عالمها الأُسَري، وهي تنتقل بين مكان إقامتها في تونس العاصمة إلى مسقط رأسها.
غداً، تعرض مسرحية "سكون" لـ نعمان حمدة، الذي يحضر أيضاً على الخشبة كممثل مع أميرة درويش، في عمل يقوم أساساً على شعرية النص، في مساءلة لعلاقات التونسيين بالجسد في يومنا هذا.
من العروض الأخرى، مسرحية "حنبعل" لطاهر عيسى بالعربي، و"الهوارب" لحافظ خليفة، و"Papa cellophane" لعبد القادر بن سعيد، لتختتم العروض بمسرحية "قصر السعادة" لنزار السعيدي. ولعلّ الطريف في الأمر أن المشاهد عبر هذا البرنامج سيجد نفسه في الغالب أمام عروض كان يمكن أن يحضر معظمها في هذا الوقت نفسه من العام الماضي.