احترام الألم

15 ابريل 2021
(جزء من لوحة "التراجيديا" لـ بابلو بيكاسو)
+ الخط -

ثمّة ترويج، في مجتمعاتنا العربيّة، مقلِقٌ لخطاب علاجيّ نفسيّ يسطّح النفس البشريّة ويسلبها غموضها وجمالها المرعب أحياناً، وألغازها المؤلمة أحياناً أخرى، ويوبّخ انكساراتها وتناقضاتها الفادحة، تحت عناوين برّاقة من السيطرة الذهنيّة الكاملة والفردانيّة المطلقة المفصولة عن الآخرين الحقيقيين والمذوَّتين، ويختزلها في "جهاز ذهنيّ" مع "تعليمات للاستخدام" لا تهزّه رغباتٌ أو عذابات أو نداءات داخليّة لا تحتكم إلى "المنطق السليم".

ليس الكلام هنا دفاعاً عن أو نقداً لمدرسة علاجية دون غيرها. وإنّما تثليبٌ لما يرتكبه هذا الخطاب من خطأ التبسيط المفرط والمُبَخّس للتجربة الإنسانيّة.

هذا الخطاب ينِكر أو يسخِّف، ولو ظاهريّاً، المساحة العُظمى التي يحتلّها اللاوعي في حياتنا، ويدّعي كليّة القدرة على التحكّم بالأفكار والمشاعر. يصادر الألم والفشل اللذين يعتريان الحياة الإنسانية ويساهمان في تكوين معناها الملتبَس، ولا يعترف بأنّ حياةً أصيلة قد تعثر على المعنى من دون أن تعثر بالضرورة على السعادة.

نحن مطالبون باستحضار وترسيخ "أخلاقيات علاجية" تعيد الاعتبار إلى المعاناة الإنسانية باعتبارها لغةً من لغات التواصل مع الوجود، وشكلاً من أشكال البحث عن معنىً لا يمكن "تعليبه" في "معادلات منطقيّة" أو "خُطب وعظيّة" ينقصها التواضع أمام الألم الإنساني.


* شاعر واختصاصي نفسي عِيادي من فلسطين

موقف
التحديثات الحية
المساهمون